في هذه الجمعة المباركة لعله خطر ببالي أن أذكركم بقول الله سبحانه وتعالى: «وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم» (الأنعام: 38»، وطبعاً كل الكائنات إما أن تكون لها أرجل تدب بها على الأرض أو أجنحة تطير بها. وهي كلها أمم. الذباب أمة لا يمكن الاستهانة بها «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ» (الحج: 73) والبعوض أمة لا يمكن الاستهانة بها «إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها» (البقرة: 26)، والكلاب أمة وكذلك الأصلات والثعابين والنمور والقمل والضفادع والجراد أمم هي في معمار الكون جند من جنود ربك التي لا يعلمها إلا هو. ولذلك فإننا نخطيء عندما نتجاهلها ونعمل على إبادتها، فنحن لا نعلم مكانها وسط النظام البيئي. «والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون» (الحجر: 19). فكيف نستطيع أن نقيم علاقة تعايش سلمي بين الإنسان والحياة الفطرية؟ أيهما أسهل.. إبرام معاهدة تعايش سلمي وعدم اعتداء بين الإنسان والحياة الفطرية، أم بين الذئاب والغنم؟ هل إقامة مناطق منزوعة الإنسان.. هل هي وسيلة حتمية لصيانة البيئة؟ أسئلة كثيرة تدور بأذهان الذين يعملون في مجال حماية الحياة الفطرية لأن التاريخ القريب يزخر بأحداث مذهلة: في الساعة الواحدة صباحاً من أول سبتمبر عام 1914م لفظت مارثا أنفاسها الأخيرة وانتهت بذلك حياة حافلة امتدت تسعة وعشرين عاماً، وأسدل الستار نهائياً على حياة نوع بيولوجي بأكمله من نوع الحمام الزاجل أو الحمام الرحَّال، وقد ماتت في حديقة الحيوانات في مدينة سنسناتي بولاية أوهايو الأمريكية. في أوائل القرن الماضي كان هناك ما بين ثلاثة إلى خمسة بلايين طائر من هذا النوع تغطي أجواء القارة الأمريكية إلا أن مسيرة الإنقراض النوعي التي قد وصلت نهايتها المأساوية في مدى قرن من الزمان كانت كافية لإبادة كل تلك البلايين من الحمام الزاجل. إذن فالكثرة ليست هي دائماً الحل لمواجهة الإنقراض البيولوجي. لقد كان في ولاية الخرطوم حتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي «23» نوعاً من الحمام والقمري. والآن لم يتبق إلا نوعان. القمرية الصغيرة الموجودة في الحدائق والبلوم الذي اتخذ من أطراف المدن سكناً له. وهذه الحقيقة تطرح عدة أسئلة: هل هناك عوامل داخلية في كل مجموعة حيوانية تجعل إنقراضها أمراً حتمياً؟ كيف أسهم ويسهم الإنسان في إبادة الأنواع البيولوجية؟ هل يمكن التنبؤ بما سيحدث لبعض الأنواع قبل أن تصل إلى أعدادها الحرجة (CRITICAL NUMBERS) التي يصعب استراجعها بعد أن تصل إلى تلك المرحلة؟ إن ظاهرة الإنقراض البيولوجي تحدث وفقاً لعوامل معينة. بعضها نجهله وبعضها نظن أننا نلم ببعض جوانبه، وبعضها توافرت لنا من المعلومات ما يجعلنا نعتقد بثبوته كحقائق علمية، وعليه فإن في مقدورنا وبصورة ليست مطلقة أن نقدم من الافتراضات والنظريات ما يصلح لرأب التصدع الذي يحدث في الأنظمة البيئية. وبما أن الإنقراض هو في الواقع نتيجة وليس سبباً والنتائج تأتي دائماً بعد تسلسل منطقي للأحداث فإننا إذا استطعنا أن نعترض سبيل هذا التسلسل بصورة ما مثلما يحدث في مكافحة طفيل البلهارسيا عندما نعترض دورة حياته في مرحلة ضرورية من مراحل نموه التي يقضيها داخل حلزون أو قوقع فنكافح القواقع وبذلك نؤثر على النتائج وبالتالي إما أن نوقف حركة الانقراض كلية أو نبطئ سرعتها حتى نتدبر ما يمكن عمله للقضاء على الظاهرة نهائياً. أو الحصول على فترة سماح زمني يستجمع فيها النوع المهدد بالانقراض أنفاسه ليبني من النظم الداخلية ما يجعله قادراً على الاستمرار. وهذا ما نحتاج القيام به بالنسبة للكائنات المهددة بالانقراض، أما الكائنات التي على حافة الانقراض ( On the verge of extinction) فهذه تحتاج لإستراتيجية أخرى تتطلب أن نلجأ لجمع وتخزين الحامض النووي والبداية في استنساخ العينات التي لا تتكاثر في الأسر أو التي هبطت أعدادها لما دون الأرقام الحرجة. وقد يقول قائل ولماذا نتعب كل هذا التعب ونصرف كل هذه الأموال في سبيل ألا تنقرض بعض الكائنات. دعها تنقرض... فماذا سيحدث؟ ونقول ماذا سيحدث، هذه قصة طويلة سنتطرق لها يوماً بإذن الله، ولكننا نقول إنه من حق كل كائن أن يعيش وأننا كخلفاء من ذرية أبينا آدم عليه السلام قد استخلفنا الله في هذا الكوكب وعلينا أن نقوم بواجبات الخلافة فنحافظ على الكائنات كلها. فربما يسألنا الله عنها يوم يطوي السماء كطي السجل للكتب.. فماذا نقول. أو كيف نضع أبانا آدم عليه السلام في هذا الموقف الحرج، فربما يكون قد وقع على كائنات الكرة الأرضية كعهدة.. ألم يعلمه الله الأسماء كلها؟ فماذا لو كانت عهدة؟ من واجبنا أن نحسن أداء الخلافة فهي أمانة حملناها بعد أن أشفقت عن حملها كل الكائنات الأخرى. فانظر إلى صاحبك فإن رأيته ينتعل «مركوب» نمر أو أصلة أو ثعبان فأعلم إنه قد «داس» على أمة من الأمم.