طرائفنا مع اللحمة متعددة منها حكاية الرجل الكبير الذي بعد أن شفي من الملاريا انفتحت نفسه للاكل واشتهى الشية فاحضرتها ابنته وقالت له وهي تناوله قطعة الشية: يا ابوي العضم دا فيهو مخ، اطلعو ليك؟ فأجابها ضاحكاً ومستعجلاً: يا بنتي انا لاقي ملوة مخ؟؟. وحكاية رجل آخر بعد أن اكل صحن شية انفرد بعظم جانباً لزوم القزقزة والقرمشة وفي العظم مخ، وبدأ يحاول اخراج المخ عن طريق الشفط بفمه، وفجأة ودون ان يرغب في ذلك خرج المخ في شفطة قوية لكنه تجاوز الفم والحلق واستقر في المعدة. فصاح صاحبنا متأسفاً «الكترااابل» ده ما في القسمة تب» طبعاً كان نيتة ان يستمتع بطعم المخ اللذيذ وهو يتمطقه. نحن شعب له حكمة في اكل اللحم تقول الحكمة كُل من اللحم ما جاور العظم اكيد هذه الحكمة لم تأتِ من فراغ هي عربية قديمة ورثناها والذي نحبه فيها اكثر هي انها تمكننا من عمليات النتش والمضغ للحم ومحاولات شفط المخ إن وجد بالعظم، اما ان كان العظم مقرشة فهي الامتع بتهشيم الاطراف والكدكدة وكلها عمليات «اكلية» لا تتأتى لسوى اللحم، لذلك فان متعة اكل الشية عندنا في هذا الجانب تختلف عن اكل السجوك والكفتة والشاورمة وتلك جميعها لا تروض الاسنان ولا الفكين بقدر ما تفعله او توفره الشية «سيدة الطعام» ومن فرط تقديرنا الشديد للحمة فاننا نربي صغيرنا بعد ان يتجاوز سن الرضاعة بقليل ويبدأ «القرم» نعطيه عظماً مأموناً مدهوناً فيبدأ في عملية الكدكدة وهذه ايضاً تقوي اسنانه الحديثة فضلاً عما تمده به من بروتين حتى اذا شب وكبر قليلاً اضفنا له شيئاً من ضنب الخروف الطازج لذلك يشب الفتى منا «جحماناً» محباً للحمة. ولعل اميز ما يتهموننا به نحن معشر السودانيين هو اكل اللحمة النية هذا ما نتفرد به ونتميز به عن سائر الأمم وهو أكل المرارة وأم فتفت تلك جحمة سودانية خالصة يقول البعض إن لهم الفضل في نشرها وسط بعض جيراننا العرب وحتى الكمونية ما كانت معروفة لديهم وهذه ثقافة «لحمية» خالصة تعود لنا فيها براءة الابتكار اللحمي. وربما يكون من ضمن اهازيجنا او تراثنا الشعبي الطريف قديماً: «الفتة ام توم حمتنا النوم عند ناس كلتوم». وأهم ما في الفتة كوم اللحم الذي يعلوها والحديث عن الشية ذو شجون يجعلني عزيزي القارئ أحاول البدء في لملمة ما في الجيب للاستمتاع ولو بسرويس ومعه فحل من البصل وشطة خضراء وليمون بالدكوة وربما تكون عزيزي القارئ بعد قراءة هذه الفقرة تبحث عن ذلك. فقط أوصيك بالتلطف بالمخ حتى لا يستقر بالمعدة وتبقى خسارة.