يزخر السودان بالكثير من المناطق الأثرية التاريخية والمتاحف التي تضم مجموعة كبيرة من التحف والمقتنيات من حضارات وأزمنة مختلفة نالت اهتمام الباحثين والسياح من جميع بقاع العالم. فالسودان بلد مترامى الأطراف متباين الثقافات والعادات والتقاليد والتراث. لكن مع الاسف نجد أن الأجيال الحديثة تكاد تجهل تماما الأماكن والمناطق الأثرية والتراثية التي يفخر بها كل من زارها ومن لم يزرها من السودانيين. غربة داخلية رغم سنواته العشرين لكن لم يخطر على بال باسل أن يزور أيا من الأماكن الأثرية والتاريخية فعلل ذلك بقوله: لا أجد متسعا من الوقت لزيارة المتاحف فنحن واجهنا ضغطا شديدا منذ الصغر من البيت والمدرسة على ضرورة النجاح والتفوق وإحراز الدرجات العالية لدخول الكليات الكبيرة فلم نجد فرصة لزيارة المتاحف والمناطق الأثرية والتعرف عليها. ومن المفارقات الغريبة أن ربا الطالبة الجامعية زارت جميع المناطق الأثرية والمتاحف في مصر ولم تزر أية منطقة أو مكان في بلدها الذي تقيم فيه فبررت ذلك بقولها: ليس هناك ما يجذب في الأماكن الموجودة هنا فهي تنقصها الكثير من الخدمات والتحسينات عكس مصر التي تذلل كل العقبات حتى يشعر السياح بالراحة والإثارة والتشويق. أما سالي التي زارت المتحف مرة واحدة قالت: عندما كنت طالبة في الأساس زرت المتحف ولم تتكرر تلك الزيارة الى أن وصلت مرحلة الجامعة، وحتى عندما زرت المتحف كنت في سن صغيرة لذلك لا أذكره جيدا لذلك أجهل ما يوجد بداخل المتاحف من معروضات. أما المناطق الأثرية الأخرى لا أعرف عنها شيئا في الأصل. ناجي قال قمت مع زملائي في الجامعة بزيارة منطقة أثرية وندمنا أشد الندم حتى أن البعض أقسم بالله أنه لن يكررها ثانية بسبب الصعوبات الكبيرة التي واجهتنا في الطريق والمنطقة نفسها. فعلى الجهات المعنية بتلك المناطق العمل على تسهيل وتوفير الخدمات وتنظيمها أسوة بالدول الأخرى لتشجيع الناس لزيارتها والتعرف عليها عن قرب. وقال محمد صدمت من الهيئة الشكلية للأماكن التراثية والأثرية والحالة المزرية التي تعيشها تلك الأماكن وحتى الناس الذين يسكنون جوارها لا يكترثون لأمرها فأنا ولدت وتربيت في الخليج وكنت أشاهد بعض الصور التي يعرضها التلفزيون ولما حضرت للسودان أخبرت الأصدقاء برغبتي لزيارة المتحف وبعض المناطق فنلت قدرا كبيرا من السخرية بسبب ذلك. تبادل إطلاق النار شن الأستاذ فتح الرحمن الهجوم على جميع الأطراف وقال إن المؤسسات التعليمية والوزارة هي التي تقع عليها المسؤولية كاملة بسبب تجاهل الدور الذي تلعبه تلك الأماكن في نشر الثقافة الوطنية وتنميتها وضيعت الإرث التاريخي للدولة وللتعليم معاً فأصبح التعليم بدون تلك الرحلات التي كانت تنظمها المدارس والجامعات في حقب سابقة لا لون له بعد أن تهربت الدولة من مسؤوليتها بعد أن أهملت وتجاهلت عمداً تنظيم تلك الرحلات للأماكن المعنية للطلبة فأصبحوا بلا هوية واضحة. وفي ذات السياق ألقى محمد عثمان باللوم على التعليم فقال: أضحى التعليم مجرد مشروع استثماري يهتم بتحصيل الرسوم والضغط على التلاميذ حتى ينجحوا وتكتسب المدرسة سمة جيدة وفقدت العملية التعليمية روحها ولهذا لا استغرب من الوضع الذي آل أليه الجيل الجديد من جهل وعدم مبالاة بالتراث والتاريخ. فيما وجهت الأستاذة سهام صالح اللوم نحو الأسر فقالت: لا يهتم الأبوان بتخصيص وقت لأولادهما من أجل بث الثقافة الوطنية ولا يظهران لهم أدنى اهتمام بهذا الموضوع وأيضا لا يأخذونهم للمتاحف في أيام عطل بل يذهبون للحدائق والملاهي وبذلك أجرموا في حقهم وحق الأجيال القادمة لأنهم أيضا لن يفعلوا ذلك لأبنائهم. صفية وهي ربة منزل بررت عدم الاهتمام بالتراث والآثار قائلة: الحياة أصبحت غاية في الصعوبة، يعمل الأبوان من أجل توفير لقمة العيش لأولادهم مما يأخذ كل وقتهما ولهذا ضاعت الكثير من العادات والقيم الاجتماعية التي تربينا عليها فاذا كان الوضع أفضل من هذا لوجد الأبوان الفرصة في تعليم أولادهم التراث والعادات والتقاليد ولما كان الوضع هكذا. رأي الباحثين ذكرت الأستاذة مروة جملة من المسببات وحملت المسؤولية للجميع فقالت: شارك الجميع في تلك الجريمة في حق الجيل الحالي ولا استثني أي طرف منها فالأسرة أهملت الجانب التربوي من أجل توفير لقمة العيش وتجاهلت غرس الروح الوطنية داخل الأولاد والمدرسة والجامعة تقاعسوا عن دورهم التثقيفي بتوجهاتها الأكاديمية البحتة والجهات المسؤولة همشت تلك الأماكن وجعلت بيئتها طاردة فهي لا تجذب الجمهور لزيارتها ولهذا ابتعد هذا الجيل عنها وأصبح فاقدت للروح الوطنية ومستلبا ثقافيا ولا يفخر بتراثه وتاريخه المشرف.