سارة إبراهيم عباس: الى وقتٍ قريب كانت شخصية الخاطبة واحدة من مراحل إتمام الزواج بالحي أو القرية، بل وهي العارفة بالأسر كلها، من في سن الزواج ومن لم تبلغه، بل من تطلقتْ ومن ترملت.. وشخصية الخاطبة نجدها في الغالب تجاوزتْ سن الخمسين، وتتميز بعلاقات واسعة بين أفراد الحي وسيرة حسنة. بجانب قدرتها على التأثير والترويج للفتاة أو لطالب الزواج. والآن الوضع اختلف كثيراً ربما لأنّ المرأة خرجتْ الى المجتمع ولم تعد حبيسة المنزل لا يطلع عليها الناس. وربما تبدل الحال وصارت طريقة الخاطبة التي تقرب بين الراغبين في الزواج تقليدية. وربما لأسباب أخرى، منها بعض الطرق الجديدة التي اعتمدها الناس في التعرف على الراغبين والراغبات في الزواج، مثل المواقع الإلكترونية. والتقرير التالي يستعرض دور الخاطبة وشخصيتها، وتأثير الانتقالات بين اليوم والأمس. خدمة توافق وفي سياق متصل قال الأمين العام للمنظمة السودانية لتنمية المجتمع «إحصان» إن الخاطبة بمفهومها التقليدي التي كانت في السابق تمنح «البشارة» قد اختفت نسبة لظهور الوسائل الحديثة للتواصل الاجتماعي مثل مواقع التواصل الاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني ومواقع الزواج عبر الانترنت، وأوضح أمير أنهم في المنظمة أطلقوا خدمة توافق، وهي خدمة لتطوير مفهوم الخاطبة والعمل وسيطاً بين الأطراف من منطلق «بارك الله فيمن جمع رأسين في الحلال»، كما تعمل على توفير قاعدة عريضة للبيانات للراغبين في الزواج، وقال إن هذه الخدمة قمنا بطرحها على ثلاث آلاف وخمسمائة شخص، والآن استفاد منها أكثر من الف وثمانمائة شخص تزوجوا عبر المنظمة، حيث تقوم المنظمة بجمع الراغبين في الزواج وبعدها يقومون بالسؤال والبحث والتحري والاستقصاء والتأكد من صحة المعلومات عن بعضهم البعض، وبحمد الله تم تزويج هذا العدد. مواقع التواصل وفي ذات السياق قالت الاستاذة أماني مختار آدم إن مهنة الخاطبة عفى عليها الدهر، فاليوم بعكس ما كان في السابق، فالآن يمكن أن يلتقي الشباب من الجنسين في مواقع كثيرة، منها الدراسة والعمل ومواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتوتير والواتساب والاسكايب وغيرها من المواقع التي تسمح بالتعارف الاجتماعي، بجانب أن العالم اصبح قرية صغيرة تسمح بالتلاقي والتعارف الاجتماعي، وهناك كثير من الاصدقاء تعارفوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتطورت العلاقة الى ان وصلت المنازل. ومن جانبه قال الباحث الاجتماعي وخبير تنمية المجتمعات محمد أحمد عبد الحميد: منذ قديم التاريخ في الوطن العربي توجد ظاهرة الخاطبة، وعادة هي امرأة كبيرة في السن وذات علائق اجتماعية واسعة في المجتمعات، وتعرف بأنها واسطة خير بين الشاب الجاد المسؤول والفتاة، وكانت في كافة الدول العربية حتى نهاية الخمسينيات، اما مجتمعاتنا الريفية والشبه حضرية فمازال هذا الدور فيها قائماً وهي بمثابة المستشار لشؤون الأسرة، ولمعرفتها بكل صغيرة وكبيرة داخل العائلات فهي تتمتع بثقة الطرفين لما يعرف عنها من كتمان وحفظ للأسرار لأن مجتمعنا لا يقبل المساس بشؤون الأسر والأعراف، وان الخاطبة قدمت خدمات للكثير من الشباب الذي لا يحسن الاختيار، وترجع اهميتها الى انها همزة الوصل بين العاشق الولهان الخاطب وبين الحسناء التي يرغب في الوصول اليها، وتكون الخاطبة قد اسدت خدمة جليلة للطرفين مستمتعة بمقولة عربية «رحم الله من جمع رأسين في الحلال» وفي كثير من الاحيان توفق بينهما بعد الزواج اذا حدثت أية اشكاليه طارئة، فدور الخاطبة لا يقتصر على اختيار الزوج او الزوجة او التوفيق بين اثنين، فدورها اكبر من ذلك في المجتمعات الريفية، فهي تدل الشباب على الفتاة التي يرغب في الزواج منها بمواصفته، وتعطيه سرداً تاريخياً متكاملاً عن هذه الفتاة وعن سلوكها وملامح الجمال فيها، وتصر على ترغيب الشباب فيها بإبراز المحاسن الخلقية والاخلاقيه حتى تقنع الشاب، وفي الآونة الاخيرة استعاض الشباب عن الخاطبة بخدمات الهاتف السيار وبرامج التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الاتصالات، كما أن الخاطبة في السودان تلاشت في المجتمات الحضرية لوجود المرأة والرجل في العمل والجامعة، مما يساهم في التعارف والتقارب، فما احوجنا الآن إلى تفعيل دور الخاطبة لارتفاع معدلات العنوسة والعزوف عن الزواج. وقال عبد الحميد في ختام حديثه: تتفق الأديان السماوية على ان عمل الخير مبرور عند الله ومقبول، شريطة الالتزام بالضوابط الشرعية والفقه.