اتسمت كل الندوات التي أقامها منتدى فلسطين الدولي، الذي انعقد بمدينة استانبول في الفترة من «23 24 » من هذا الشهر ، بتشريحه للقضية الفلسطينية بصورة مستفيضة ، وكان الإجماع فيها على تراجع القضية الفلسطينية بوسائل الإعلام العربي، ووصف بعضها بالجلاد من خلال تناوله لها .. ومن هذا المنطلق كان النداء بضرورة الوصول إلى إستراتيجية جامعة للقضية الفلسطينية، ووضع خطة ورؤية واضحة لإعادة الحياة للقضية تحت ظل المتغيرات التي اعترت الساحة العربية، من خلال الثورات المختلفة ، فحملت ندوة «نحو إسترايجية إعلامية لفلسطين» تفصيلاً لكيفية تبني القضية من خلالها ووضع الأسس لها.. خطاب إستراتيجي موحّد في بداية حديثه أكد د.عزام التميمي رئيس تحرير قناة الحوار الفضائية إن الإعلام لا يصنع الحدث ، بل هو أداة لتحليل الوقائع المتعلقة به وعكسها للمتلقي. وأشار إلى أن أسباب تراجع القضية الفلسطينية في الإعلام العربي تعود لأسباب كثيرة أبرزها ثورات الربيع العربي التي اجتاحت الدول العربية ، وقال إن الحديث عن إيجاد إستراتيجية إعلامية تعبّر عن القضية الفلسطينية، تتطلب توفير الأدوات المستخدمة في ذلك من وسائل إعلامية حديثة ، إضافة إلى المحتوى الذي يجب أن يتعاطاه الناس من خلال هذه الوسائل ، والتي تكمن القضية فيها والحديث لعزام في كيفية الوصول إلى المتلقي من خارج الوسط الغربي ، خاصة وأن الغرب لا زال مستمراً في مد الكيان الصهيوني بأكسجين الحياة والتي يقابلها وجود جهات تؤثر على صانعي القرار. وأكد التميمي أنه لا يمكن تأسيس مؤسسات تخاطب الرأي العام الغربي، نسبة لما يتطلب ذلك من تكلفة مالية عالية لإنتاج وسائل إعلامية تستطيع غزو عقولهم ومفكريهم لطرح قضايانا. وفي سياق متصل طالب د.عزام بضرورة التركيز على من له تأثير على وسائل الإعلام القائمة كالكتّاب والمفكرين ، لسرعة تأثيرهم ووصولهم للمتلقين ، ما يوجب على الإستراتيجية المقترحة، أن تكثر منهم والتواصل مع أكبر عدد منهم وأن الناس لا تتطلع إلى إعلام ذي صبغة تلقينية. ومن جهة أخرى قال التميمي إن هنالك عقبة متعلقة بالإعلام الذي يخاطب شريحة معينة بكافة جوانبه ، الذي يجد من يترصده لأغراضه ضد العرب بإستخدام بعض ما يرد من مغالطات تاريخية للتقليل مما يقوله العرب، مستدركاً بقوله إن هناك كثيراً من القضايا في مواقعنا الإعلامية تتعارض والتاريخ كمعركة هوليكوكس ، وختم التميمي حديثه بالتنبيه على ضرورة تنقيح خطاب الإستراتيجية لخدمة القضية الفلسطينية، بمشاركة كل الفئات حول العالم لتقليل نسبة العداوة ضد العرب. التحول من طابع المساندة للمشاركة وتساءل رئيس المحاضرين في «ccpas» د.رائد نعيرات خلال حديثه عن مدى ارتقاء الإعلام العربي لمستوى التحديات التي يواجهها وقال، أغلب القنوات الموجودة حزبية سياسية وقوالبها غير مستقرة في مواجهة إعلام قوي النفوذ ،، مؤكداً على ضرورة إيجاد إستراتيجية إعلامية قوية لمجابهة الإعلام المضاد خاصة بعد توقيع المصالحة بين فتح وحماس، ما يتطلب ترسيخه على أرض الواقع لخدمة القضية الفلسطينية. وأشار د.نعيرات إلى أن أهم أهداف الإستراتيجية، يجب أن تتضمن نقل الإعلام من طابع المساندة إلى المشاركة الحقيقية بين الإعلام الفلسطيني والعربي ، أيضاً وجود البعد القانوني عبر جوانب العدل والمساهمة في قضايا المجتمع. وقال رائد إن الأجهزة الإعلامية، رسخت مبدأ الكيان الانقسامي ومساهمته في زيادة العنف الداخلي، وأصبح إعلام فلسطين جلاداً للسلطة الفلسطينية ، ما يوجب أن تقوم الإستراتيجية على الوحدة وعدم الاختلاف وتقبل الآخر ، وأمّن نعيرات في ختام حديثه، على فكرة المواطن وحقوقه، والابتعاد عن نظرية الشعارات والقيام على التكامل وليس مسئولية التفاضل، مع إيجاد مراكز تدريب لصناعة قادة جدد للقرار السياسي. سايكولوجية الصدام وفي سياق منفصل تطرق د.أحمد الترك رئيس قسم الإعلام بالجامعة الفلسطينية لحالة الضعف التي يعيشها الإعلام الفلسطيني في ظل المتغيرات الإقليمية التي تحدث ، مشيراً إلى أن الصدام المتواصل مع العدو الإسرائيلي أصبح «سايكولوجياً» ، مؤكداً أن العرب يمتلكون المقومات والإرادة لوضع إستراتيجية قوية تستصحب معها الوعي المتكامل لتشكيلها. أزمة علاقة التبعية من جانبه أشار مدير عام قناة فلسطين اليوم، أنور أبو طه إلى أن المشكلة الإعلامية ليست في غياب الأداة ، بل في من يديرها ، في ظل علاقة التبعية بين الإعلامي الفلسطيني والسياسي، بعد تحول سلطة الإعلام إلى شريك سياسي. وقال أبو طه إن هناك تزييفاً وتضليلاً في وسائط الإعلام المختلفة، حول القضية الفلسطينية والتركيز على السياسي منها ، مطالباً بعدم تحول هذه الوسائل إلى منابر حزبية ، بل يجب أن تكون مرآة تعبر عن القضية الفلسطينية عبر نقل الموضوع بشفافية وموضوعية والتركيز على خطاب العدالة والتحرر وليس مرآة يرى فيها السياسي نفسه. وناشد أنور بضرورة إعادة ربط القضية الفلسطينية بالثورات العربية، باعتبارها قادرة على تعرية النظم العربية بموقفها من القضية الفلسطينية. تثبيت المرتكزات أما هشام قاسم منسق عام نادي فلسطين للإعلام فقد عرّج على وجوب معرفة ما الدور الذي يجب أن يلعبه الإعلام وتأثيره وفقاً لمرتكزاته في تثبيت المعرفة ، وترتيب الأولويات في المجتمع ، وأشار هشام إلى أنه يجب أن تحقق الإستراتيجية المنشودة عدة أهداف، أجملها في وجود رسالة واضحة ومنظمة لتحقيق الهدف ، ومساهمتها في بناء الصورة الذهنية للعدالة ، وإنشاء منظومة إعلامية لتحقيق الأهداف ، أيضاً التركيز على إستراتيجية بناء المعاني والقيم في ظل الإعلام الاستهلاكي الموجود ، الذي يتصف بإمكانياته الضعيفة ووسائله المشددة التي لا تحقق أهدافه. أبرز ما تناوله المتحدثون في الندوة، الأبعاد الاقتصادية والسياسية للقضية الفلسطينية ، وخرجوا بعدة أفكار ورؤى ومقترحات، لكيفية إنشاء إستراتيجية شاملة للقضية الفلسطينية والقضايا العربية ، وذلك عبر رسم إستراتيجية محلية وإقليمية ذات بعد دولي، لنقل عدالة القضية الفلسطينية عبر تبني قيم الحرية والعدل والأرض ، أيضاً استصحاب مخاطبة الآخر بلغته عبر الكفاءات المؤهلة وتبادل المحتوى بينها، لمواجهة المحتوى الإعلامي الصهيوني بآخر عربي نافذ، لإعطاء العافية للقضية الفلسطينية من جديد. احتوت توصيات المنتدى على العديد من الجوانب ، منها تثمين تضحيات الصحفيين وتضامنه معهم، بإدانة الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها السلطات الإسرائيلية ضد الإعلاميين ، والتنبيه إلى المخاطر التي تمر بها، بهدف تصفيتها وتهديد الهوية والمقدسات والاستمرارية ، أيضاً تشديده على أهمية وضع الخطط والبرامج الإعلامية لمواجهة التحريض والتشويه ضد القضية ، والدعوة إلى مزيد من التركيز بتطوير الإنتاج الإعلامي الخاص بالقضية، عبر إيجاد قنوات متخصصة في خدمتها بلغات متعددة ، إضافة إلى التحذير من السلوك التبريري للاحتلال وتبني بعض الجهات الإعلامية لها ، وتشكيل لوبيات لمواجهة حقوق الشعب الفلسطيني بالتأكيد على التواصل والحوار وتبادل الخبرات وتنسيق الجهود، لإعادة الاهتمام بالقضية الفلسطينية والاهتمام بالتغطية النوعية لها.