سارة ابراهيم عباس: العلاقات الإنسانية لها عدة مسميات ، وتتنوع هذه المسميات على حسب المظلة التي تحتويها ، فنجد ان الصداقة اعظمها وانقاها إن وجدت من يضعها في نصابها الصحيح ، الا اننا نجد العديد من الصداقات تتحكم فيها المنافع سواء كانت مادية او معنوية ، ما جعلها مصدراً للقلق لدى العديد من اصحاب النفوس الطيبة ، ومن هنا ينطلق السؤال، لماذا اصبحت الصداقات مرتبطة بمصلحة ما ، وهل اختفت الصداقات والاخوة الحقيقية ؟ وما الاثر السلبي الذي ينعكس على المجتمع منها ؟ للولوج الى اسباب الظاهرة قام «البيت الكبير» بجولة استطلاعية مع العديد من الفئات من المجتمع فخرج بالحصيلة التالية: يرى محمد قسم الله علي موظف الصداقة، بانها علاقة جميلة لا تحدها حدود. و هناك نوع من الصداقات تكون بين اشخاص تتسم بالقوة نسبة لارتكازها على قيم ومبادئ داخل الصديقين او الصديقتين، ومشاعر طيبة حتى ان بعض الاصدقاء تحسبهم اخوة اشقاء، بل ان بعضهم علاقته اقوى من علاقة الاخوة، لكن بالمقابل هناك نوع من الصداقات قائم على المصالح وبكل اسف هذه الصداقات تكون هشة و لا قيمة لها في نظري، يمكن ان تنتهي في زمن وجيز فاذا انقطعت هذه المصالح لذلك لا احبذ هذا النوع من الصداقات . تبادل المنافع الصداقة علاقة إنسانية ورابطة سامية تربط بين الناس، هكذا بدأت الاستاذة سندس عدلان حديثها ، واضافت انها ذات اهداف سامية منزهة عن قضاء الاحتياجات، فتسمو بالاشخاص وتوسع دائرة العلاقات الانسانية، فاذا دخلت عليها المصالح وتبادل المنافع الدنيوية و الماديات فانها حينئذ لا تكون صداقة انما تبادل منافع وعلاقات مصالح مشتركة «شيلني واشيلك» او «قدم السبت لكي تجد الاحد». إيقاع الحياة و في سياق متصل قالت الحاجة ماريا مضوي ربة منزل، في وقت سابق كانت هناك «خوة» صادقة لكن مع تسارع ايقاع الحياة اصبحت الصداقة في مهب الريح، ولدينا قول ماثور يقول: «الزول الصديق باسمه ما هو صديقك لكن الصديق الشاركك في ضيقك عند الكائنات تلقاهو ديمه رفيقك و الناس تتوهم تقول اخوك شقيقك » . الاحترام المتبادل ومن جانبها الاستاذة نعمات محمود، ترى أن للصداقة شروطاً أهمها التوافق الفكري والنفسي والاحترام المتبادل بين اثنين، وكذلك تشابه الميول والاتجاهات إضافةً إلى تقارب العمر، وربما كانت للأخلاق الحميدة دافع كبير للحفاظ على الصداقة الحقيقية البعيدة عن المصالح الشخصية، التي تترفع عن السلوكيات الخاطئة مثل الغيبة والانشغال بعيوب و خصوصيات الآخرين, اذا كانت العلاقة قائمة على قضاء مصلحة ما و ليس على «الخوة الصادقة» فلا بد من وضع حدود لهذه العلاقة، مستشهده بالدين الإسلامي الذي وضع حدوداً لكل شيء. توطيد العلاقات الاجتماعية ويرى علماء النفس والاجتماع والتربية، ان الصداقة من اعمق القيم الانسانية، وقال خبير تنمية المجتمعات الاستاذ محمد احمد عبد الحميد حمزة إن الانسان بطبيعته كائن اجتماعي، يبحث عن علاقات القرب من الاخرين ويبحث عن نقاط الالتقاء بينه وبين من يحب، وكل ما كانت نقاط الالتقاء اكثر كانت العلاقة اقوى وامتن ولهذا قالوا قديماً «رب أخ لم تلده أمك» وأرادوا بهذا المعنى ان يقولوا إن هذه العلائق المترابطة نفسياً ووجدانياً اعمق من أخوة الارحام، ولهذا لما جاء الاسلام ضرب المثال الاروع في توطيد العلائق الاجتماعية ولهذا آخى بين الاوس و الخزرج و الانصار و المهاجرين، فكانت هذه العلاقات تسمى في منظورنا الحديث بالصداقة و الحميمية، و ينظر الاسلام الى الصداقة بان الانسان عون لاخيه الانسان دون شروط او قيود، مع توافر حسن النوايا ، و بهذا قال النبي الكريم «خير الناس أنفعهم للناس» لكن مع ذلك الاسلام وضع سقفاً محدداً للعلاقات الاجتماعية، مبنية على الاحترام و المودة الصادقة و الاخاء الرائع، ولهذا كانت علاقة النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه أسمى نوع في الصداقة و ضرب المثل الاعلى عندما توطدت هذه الصداقة بالمصاهرة. اختلاط المفاهيم وفي الآونة الأخيرة اختلط مفهوم الصداقة والزمالة و المنفعة الشخصية، فالصديق ليس بالضرورة ان يكون زميلاً ولا ان يكون الزميل صديقاً ، والصديق من صدق ووقف معك واعانك ، والصديق عند العرب من صدقك ووقف معك في السراء والضراء، اما الزميل من تجمع بينك وبينه المصلحة لهذا قال العامة « بر الاصدقاء اقوى من بر الارحام»، فكلما ما كان هناك توافق نفسي وعاطفي كانت العلاقة اقوى واجمل فالصداقات الناجحة تعتمد على توافق الرؤى و الميول النفسية و الادماج الاجتماعي المشترك. ومع هذا نستطيع ان نقول ان الخل الوفي في هذا الزمان اصبح من المستحيلات السبعة وذلك لان ما استجد على الحياة من حراك اجتماعي وتطلع غير محدد جعل العلائق الاجتماعية تصاب بالتصدع ولهذا توجد ندرة في الصديق الوفي المؤتمن، وكثير من علماء الاجتماع يعتقدون ان صداقات الصبا و الطفولة وايام الدراسة في مراحلها المختلفة اقوى وامتن من الصداقات في زمن الشباب والجامعة، باعتبار ان الصداقات في زمن الطفولة مبنية على البراءه والمحبة دون الاغراض والاهواء ولا تخضع لنوع ولون وجنس، ولهذا اكثر الشعراء يكثرون من التباكي على ايام الطفولة و المرح والصبا وكل منا يشتاق لصديقه في ذاك الزمان.