من إيجابيات ثورة التعليم العالى ليس فقط تخريج أكبر عدد من الطلاب وتوسيع الفرص بينهم، ولكن الجامعات باتت أرفع مؤسسات التغيير الاجتماعي فى الولايات من خلال الممارسة وحركة الجامعات مع المجتمعات حولها اقتصادياً وثقافياً، واذا أخذنا مثالاً جامعة غرب كردفان التى تأسست بنفير قاده اهل المنطقة إدى لوجود مؤسسة يتجاوز عدد طلابها أربعة آلاف طالب يمثلون كل السودان، كما ساهمت فى اقتصاديات المنطقة، ولكن مازالت الفجوة كبيرة بين هذه المؤسسات التعليمية وحكومات الولايات، ولم تستفد منها فى التخطيط والافكار التى يمكن ان تطور مجتمع الولايات فى كل المجالات، لأن هذه الجامعات تمثل مرجعية علمية، وهي فرصة للولايات بأن تؤدي دوراً مهماً فى تطوير المجتمع وتوسيع آفاقه المعرفية من تنمية قدرات الكوادر البشرية المتخرجة في كليات الجامعة والمتعاملين معها من عامة المجتمع فى المواسم الثقافية، والأمر المهم جداً فى الجامعات الولائية أن تضع مناهج تكون مخرجاتها متوائمة مع حاجات وضروريات المجتمع المنشأة فيه، سيما أن المجتمع السوداني ظل يشهد متغيرات مستمرة، وأعجبتني فكرة رائدة قامت بها جامعة غرب كردفان وهي الشراكات مع الجامعات العالمية فى تركيا وتونس وغيرها من دول العالم التى ظلت ادارة الجامعة تجوبها، وهذه من شأنها المساهمة بفعالية فى صياغة وعي الاستاذ الجامعي نفسه قبل الطالب فى اتباع مناهج علمية وثيقة بالمجتمع تفي بمهمة الجامعة في وظائفها الأساسية التى تضع الاطر والملامح العامة لإعداد الموارد البشرية، وإجراء البحوث العلمية، الى جانب المساهمة في عملية التنشئة ونقل الثقافة بما يضمن صياغة وعي المجتمع وتشكيله وتناول قضايا البيئة المحيطة به ومشكلاتها، فضلاً عن العمل على تنميته في جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية، كما أن هناك فكرة أخرى مكملة لهذه الفكرة ومن شأنها أن تدعم ربط حركة الحياة وتعميم الفائدة، وهي تكوين مجلس إدارة الجامعة بصورة غير نمطية بإشراك شخصيات بمواصفات مهارية وخبرات نوعية تمكن الجامعة من الاستفادة من قدراتهم وعلاقتهم الأكاديمية والاقتصادية والفكرية وتواصلهم المجتمعي الرأسي والأفقي، ولأن الثروة الكبرى فى المجتمع هي التعليم فإن جامعة غرب كردفان قد راعت فى أعضاء مجلس الإدارة الجديد أن يكون الشخص المختار مفيداً للجامعة في مهمة توفير ما تحتاجه ويطلبه المجتمع، وكانت اللفتة البارعة هي اختيار رجل الأعمال ورجل البر والإحسان الحاج صديق ودعة، وهو رجل معروف بأفضاله غير أنه رجل أعمال وله أيادٍ بيضاء على كل السودان، فقد ظل مساهماً بفعالية في نهضة الاقتصاد والبيئات التعليمية، وقد كان قرار اختياره صائباً في نظر الكثيرين ويمثل خطوة ستسهم في تغيير الصورة الذهنية التي تشير إلى أن الذين يشغلون مناصب أعضاء مجلس الإدارة في الجامعات بالضرورة يكونون ضمن أبناء المنطقة، ولكن الأهم أن يكون شخصية قومية سيكون لها تأثير أكبر، وبمقدوره أن يقلب البوصلة في ما يقدمه من أفكار وبرامج وأفكار، وهو يصلح أن يكون مركباً أساسياً لهوية جديدة للجامعة، وبذات هدوئه ومساهماته في صادرات البلاد والحراك التنموي أتوقع أن يقدم دعماً غير مسبوق يكون أساسه مرجعيته في الاستثمار والإنفاق على التعليم في بلاد مازالت تصر على تقديم نفسها أنموذجاً للتعايش والتسامح والحلم الممكن وسط الأخبار الكئيبة والمزعجة التي تملأ العالم العربي، وتكشف بأننا فشلنا في إدارة التنوع الذي هو مصدر قوة، فحوله البعض إلى نقاط ضعف وإضعاف للبلاد وإثنائها عن حلمها وطموحاتها المشروعة، فما قدمته جامعة غرب كردفان واجتهادات مديرها الخلوق البروفيسور على احمد حسابو، وهو رجل مهتم جداً بتخصصه فى الإنتاج الحيواني، وبذات حرصه واهتمامه ظل حريصاً على أن يوظف كل شخص فى محله لخدمة الجامعة لأنها المدخل الحقيقي لخدمة المجتمع، طارحاً أنموذجاً ناجحاً لتحقيق كل الأحلام وتحويلها إلى واقع يفيد الجميع، وسط تحديات وطموحات يمثل تحقيقها عند البعض شيئاً من الخيال.