شهادتي في الأخ جمال الوالي مجروحة وذلك لما تربطني به وعائلته من أواصر صداقة ومودة. ولكن واقع المجال الرياضي في بلادنا مهما كان موقفك فلن تنال إلا القليل جداً من التأييد. وخلونا نحسبها: لنفترض أن كل المهتمين بأمر الهلال والمريخ في السودان تعدادهم يصل إلى مليوني شخص.. وهؤلاء ينقسمون إلى مليون للهلال ومليون للمريخ «أمر افتراضي» وبما أن كل فريق يعاني من انقسامات ولنقل انقسامين فقط، فهناك نصف مليون مع الإدارة الموجودة والنصف الآخر مع المعارضة. وعلى أي جنب أنت تتكئ فلن تجد على أحسن الفروض سوى «500» ألف يؤيدونك مقابل مليون ونصف يكرهونك. وعادة صوت الذين يكرهونك يكون الصوت الأعلى، أما الذين يؤيدونك فيحتفظون بتأييدهم إلا إذا كان عليهم أن يعبروا عن ذلك في صناديق انتخابات من نوع ما. أكتب هذا المقال وأنا أشعر بأن الأخ جمال الوالي يتعرض لحملة عدائية جائرة ليس لها ما يبررها. فالرجل لم يستبق شيئاً من فضل مال لم يصرفه في ما يعتقد إنه في صالح فريقه وكأي رئيس نادٍ رياضي يتعرض كما يقول المثل الإنجليزي: Damn if you do, damn if you dont. ملعون إذا فعلت وملعون إذا لم تفعل. وقد كتبت مقالاً في «الغيبونة» هذه بتاريخ 8/10/2009م تحت عنوان «لا تبخسوا الناس إداراتهم» أقول فيها: «ما الذي كان يمكن أن يفعله السيد صلاح إدريس رئيس نادي الهلال والسيد جمال الوالي رئيس نادي المريخ ولم يفعلاه من أجل الرياضة؟ فلأول مرة يكون عندنا ملعبان منسقان ومشرّفان لأبعد الحدود. ملعبان لو مرّ بهما «سليمان فارس» لمر بترجمان. وأصبحت الهزيمة في ملعب عالمي بمثل مواصفات ملعب الهلال والمريخ خير من نصر في ملاعبنا القديمة المهلهلة التي لا تكاد تتبين فيها مواقع اللاعبين من غبار الجير الذي تخطط به علامات الملعب. وعندما كنا في الاغتراب وكانت المباريات منقولة كنا نتوارى خجلاً من تصحر الملاعب وعدم تمتعها بأقل قدر من وسائل تهيئة الملاعب. ولكن الوضع اختلف اليوم منذ مجيء السيد صلاح ادريس والسيد جمال الوالي. لقد صرفا على تهيئة البيئة الصالحة لممارسة لعبة شعبية أحبها الناس وأخلصوا لها من زمن المرحوم قرعم والمرحوم أب هيوت، صرفا الكثير الذي لا ينكره إلا جاحد. وما فعله الرجلان لم يفعله أحد من قبلهما.. فقد دفعا الكثير لتشييد البنيات التحتية وجلبا المدربين من أي مكان يسمعان فيه بمدرب مشهور. وسجلا لعيبة عالميين بمبالغ لم تخطر على بال الاتحاد العام.. وفوق ذلك نفخا الروح في الناديين فاصبحت ترى المشجعين وقد ارتدوا الأزياء المميزة لفرقهم، وعاد الاهتمام إلى كرة القدم يحتل مكانه في صدارة أولويات التشجيع الشعبي. وكل ذلك تم من حر مالهما. ولم يكلفا خزينة ناديهما شيئاً. إن الظروف التي تهيأت للاعبي الهلال مثلاً أحسن مليون مرة من الظروف التي تهيأت للاعبي مازيمبي الكونغولي. فبفضل جهود السيدين رئيسي الناديين العظيمين أصبح الاحتراف حقيقة لا جدال عليها. ولكن كل ذلك لم يرتفع باداء اللاعبين إلى مستوى الاهتمام الذي يعطى لهم. فإلى ماذا نعزو ذلك؟ اللهم إلا إذا كنا نتوقع من رئيسي الناديين أن ينزلا الملعب ويلعبا ويخوضا تلك التراجيكوميدي الكروية. إن الهجوم الذي يتعرض له السيد رئيس نادي الهلال لا مبرر له، وكذلك الهجوم الذي يتعرض له رئيس نادي المريخ. والمشكلة في نظري تكمن في الشحن الإعلامي والجماهيري الذي يجعل اللاعبين متوترين يخافون الهزيمة. وما البكاء الهستيري بعد نهاية المباريات إلا أحد مظاهر ذلك التوتر. ولذلك يحتاج اللاعبون قبل المباريات إلى تهيئة نفسية Psychological Coaching . تقتلع الشعور بالخوف من الهزيمة وتضع مكانه الفرح بالانتصار. فلو كان هناك صبي صغير يحمل كوباً من العصير لأحد الضيوف وصحت فيه: - حاسب ما تدفق العصير. حتماً سيدفقه لأنك أوحيت له بذلك وزرعت في نفسه الخوف من أن يدفق العصير. ولكن لو قلت له: - جيب العصير هنا لعمك.. لأحضره بكل هدوء. ولكننا وبإعلامنا الرياضي الذي يفتقر إلى الحنكة والتريث وموازنة الأمور نعيش اللاعبين في رعب خرافي من الهزيمة. وهذا يجعلهم أكثر توتراً وأقل تركيزاً. ولكن ليست هذه هي كل الأسباب، فهناك اسباب خفية تجري تحت السطح بين اللاعبين الوطنيين واللاعبين المستجلبين. وإذا كان كل هؤلاء المستجلبين لا يحققون نصراً وكلها هزائم في هزائم فلماذا لا نقلل التكلفة ونعد لاعبين وطنيين نصرف عليهم ربع ما نصرفه على المدربين واللاعبين الوطنيين ويا دار ما دخلك.. سادومبا أو وارغو أو كلتشي». كتبت هذا عام 2009م. والذين أخذوا يتندرون بما تفوه به الأخ جمال الوالي في مقابلته التلفزيونية نسوا أن الفرح الطاغي والغضب الطاغي ممكن أن يدفع الشخص للتفوه بما يحسب عليه، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكى لأصحابه أنَّ الله أفرح بعودة عبده تائباً إليه من فرح أحدهم وهو في قلب الصحراء وقد وجد جمله الذي تاه منه فصاح فرحاً: «اللهم أنت عبدي وأنا ربك فلك الحمد».. وقد ذكرت كثيراً في عدد من المقالات قائلاً :«لا تتحدث وأنت منفعل غضبان لأنك ستتفوه بكلام قد تندم عليه حياتك كلها» وقد حدث ذلك في مواضع شتى. فالذي يأتي في لحظة انفعال وغضب لا يعدو أن يكون أمراً غير مقصود لكنه بكل أسف يظل موجوداً.. ولن يطمس كل ذلك ما قدمه الأخ جمال من أجل الرياضة ومن أجل المريخ. آخر الكلام: ابنتي سارة كانت في كورس تدريبي تابع للشركة التي تعمل بها في بريطانيا، وزارت متحف الشمع في بيكر استريت، وتصورت في جناح العائلة المالكة، وأردت أن أداعب أصحابي في الفيس بوك، فأوردت لهم إنها نالت لقب ليدي، والقصة كلها المقصود منها أن كل الصور التي تصور الأشخاص مع العائلة المالكة تتم في متحف الشمع، وأن تلك مجسمات شبه الأصل وليست الأصل، وقد أوضحت ذلك، ولكن حدث ما لم أتوقعه فبرغم التوضيح الذي صاحب الصورة إنهالت علينا التهانئ، بل إن بعض الصحف نشرت الصورة على أنها خبر حقيقي. «بعد كدا الواحد يحرم يهظر مع السودانيين» وواحد زايد واحد يساوي إتنين فقط.