مدني: هاشم عبد الفتاح أحمد الطيب: حالة من البؤس والتردي في البنيات التحتية والخدمات الصحية يعانيها السوق الشعبي بحاضرة الجزيرة ود مدني، رغم أن هذا السوق يدر المليارات من الجنيهات الى خزينة محلية مدني الكبرى، ولكن كل الذي يخرج من جيوب التجار وأصحاب السوق كجباية لا يرتد إليهم، فالسلطات المحلية هناك تأخذ ولا تعطي، وأهل السوق يصرخون ويبحثون عن خدمات وعن صحة ولكنهم يحصدون السراب، فانهارت البيئة، وتلاشت مظاهر الصحة، وغاب القانون، وأطلت الفوضى بكل جبروتها.. فالسوق ما عاد سوقاً بمقاييس الأسواق الأخرى انهيارات بالجملة في كل شيء، وأقصى ما يمكن أن تقدمه الوحدة الادارية التي يقع السوق الشعبي داخل حدودها أنها بين الحين والآخر تقوم بتنشيط آليات الجباية والتحصيل بحثاً عن موارد، فيتفاجأ أصحاب السوق بأن الذي تعارفوا على دفعه للوحدة الإدارية تضاعف حجمه وبات شيئاً لا يطاق.. فكم من أصحاب الدكاكين والمهن الصغيرة هجرها أهلها.. أما الذين بقوا في متاجرهم على مضض فهم يشكون مر الشكوى من الالتزامات المالية التي أصبحوا يتحملونها. جولة وسط الزحام «الإنتباهة» زارت السوق الشعبي وتجولت داخل أزقته وباحاته ومتاجره، ونقلت صورة حية من هناك.. صورة تبعث على الحزن والأسى والمواجع بسبب التراجعات والانهيارات في المنظومة الصحية والإدارية والهندسية. ورصدت الصحيفة كذلك مشكلات وأزمات أهل السوق وأناتهم وشكواهم ومطالبهم للجهات الرسمية بالشواهد والمستندات والايصالات علها تسمع وتستجيب لإصلاح ما يمكن إصلاحه، فتحدثوا عن واقع مؤلم وعن فوضى يجب معالجتها اليوم وليس غداً، فالسوق الشعبي كما وصفه أحد التجار أصبح مستودعاً كبيراً للمتشردين والمحتاجين والمتسولين والباحثين عن ملاذات آمنة، لكن لا يبدو أن هناك استجابة من الوحدة الإدارية التي لا هم لها ولا شغل لها سوي التفكير دوماً في توسيع مظلة جبايتها، فأصحاب السوق يجودون عليها بالمال في حدود طاقتهم ولكنها تطالبهم بالمزيد.. تلك هي محاولة لفتح ملف الانهيارات الخدمية بكل أشكالها بأسواق ولاية الجزيرة والوقوف على حقيقة الرسوم والجبايات التي تفرض هناك بحق وبدون وجه حق. سوء التخطيط النقيب أحمد عثمان النقيب، صاحب مغلق بالسوق الشعبي تحدث ل «الإنتباهة» بأسى شديد عن الأوضاع المتردية التي آل إليها السوق الشعبي في كل المجالات خصوصاً الأوضاع الصحية وسوء التخطيط وغياب الرؤية الفنية والهندسية، لأن الدكاكين ضيقة جداً «2.5 في 2.5 متر»، وكانت الطامة الكبرى في «التقفيلات» الأخيرة التي قامت بها المحلية للمداخل والشوارع الرئيسة للسوق، الأمر الذي أعاق حركة الدخول الى هذه الدكاكين. ونحن كأصحاب مغالق نعاني من دخول العربات الكبيرة التي تحمل إلينا الأسمنت والمواد الأخرى. أما الرسوم فهناك 50 جنيهاً شهرياً كعوائد للدكاكين الصغيرة، وكانت الى وقت قريب «22» جنيهاً، وحتى المخازن الصغيرة وصلت عوائدها الى «50» جنيهاً، هذا يعني أننا ندفع «600» جنيه عوائد سنوياً، رغم أن هذه الدكاكين ملك لنا، وهناك أيضا مبلغ «8» جنيهات للإيصال الواحد «دمغة» إضافة الى ذلك ندفع «40» جنيهاً رسوم نفايات، ولكن للأسف الشديد أصبح السوق مليئاً بالنفايات والأوساخ والفضلات، وأبلغنا الجهات الرسمية ولكن لا حياة لمن تنادي، وكل هذه الرسوم المجلس التشريعي نفي علاقته بها. انتهاك حرمة المقابر أما الشريف أحمد الشريف رئيس مكتب ترحيلات القضارف، فيرى أن تخطيط السوق بهذا الشكل خاطئ والآن ثلثا الدكاكين مغلقة وذلك إما لضيق هذه الدكاكين او اختلاف تخصصها أو بسبب الفوضى وعدم التنظيم نتيجة للأعداد الكبيرة من المتشردين والشماسة إضافة إلى كل ذلك، فإن أصحاب السوق يشكون من الرسوم العالية المفروضة عليهم، في الوقت الذي تنعدم فيه الخدمات تماما. فمثلاً الحمامات وعلى قلتها فهي دون المستوى وليست هناك فواصل بين حمامات الرجال وحمامات النساء مما ادى الى أن مجموعات كبيرة من المواطنين أو المسافرين عبر هذا السوق يضطرون لقضاء حاجتهم في المقابر المجاورة، ولهذا فإن هذا السوق يعتبر من اكبر الأسواق الشعبية في السودان، فهو يربط بين الوسط والشرق والغرب. واضاف الأخ شريف ان من أخطر الظواهر في هذا السوق هو كثرة الشماسة والمتسولين لكن صحيح أن هناك حالة من الاستقرار الأمني، فالقوة الأمنية الموجودة هنا ظلت محافظة على أمن وحقوق المسافرين وهذه حقيقة لا بد من الإشارة إليها. ويقول نصر الدين أحمد عمر يعمل في ترحيلات القضارفوكسلا إن السوق الشعبي بوضعه الحالي لا يشرف مدينة ود مدني ولا أهل الجزيرة، بسبب تردي صحة البيئة وتراكم الأوساخ خاصة في الناحية الجنوبية واسوأ ما في هذا السوق ضعف السفلتة ووجود البرك والمجاري التي تعوق حركة المركبات رغم أننا ملتزمون بدفع كل الرسوم، فمثلاً رسوم المغادرة الى كسلا كانت «23» جنيهاً زادت الى «53» جنيهاً للبص دون سابق علم. الهجرة القسرية للتجار عبد المنعم علي صاحب ورشة بالسوق الشعبي قال ل «الإنتباهة» إنه سدد كل رسوم الترخيص السنوي والبالغ «250» جنيهاً، إضافة الى خمسين جنيهاً عبارة عن عوائد شهرية، وهذه الرسوم اعتقد أنها مفروضة بأمر محلي ودون اي منشور، وللأسف الشديد الوحدة الإدارية لم تقدم لنا اية خدمة نظير هذه الرسوم وحتى المداخل الأساسية لدخول العربات للورشة تم قفلها بمجاري حتى لا تهرب العربات من دفع رسوم المغادرة حسبما قال. وكنا قد اجتمعنا نحن هنا مجموعة من أصحاب الورش والدكاكين لتوصيل هذه الشكوى للمحلية، ولكنها رفضت مساعدتنا في عمل مدخل يتيح للعربات الوصول إلى الورشة، لكن ناس المحلية رفضوا، والآن توقفنا تماما عن العمل وظروفنا ساءت جدا خصوصا أننا نعول أسراً ولدينا طلاب في المدارس، واذا استمر هذا الحال على ما هو عليه الآن سنضطر الى مغادرة هذا السوق، بل هناك عدد من أصحاب هذه الدكاكين غادروا بالفعل. ادفع.. ثم ادفع عمر محمد الشريف صاحب دكان شحوم وزيوت قال ل «الإنتباهة»: أنا دفعت رسوم هذا العام «450» جنيها ولكن المبلغ المسجل في أورنيك الرخصة هو «398» جنيها فقط يعني ان هناك «62» جنيها غير ظاهرة ولا نعلم أين تذهب وندفع ايضا عوائد تؤخذ منا بالمزاج احيانا «30» جنيها أو «50» جنيهاً كل شهر وكل هذه الرسوم تدفع دون سابق إعلان، فإما أن تدفع او يغلق الدكان أو المحل أيا كان نوعه. والمؤسف ليست هناك اية خدمات تقدم لنا مقابل هذه الرسوم، فالسوق الآن في اسوأ حالاته من حيث صحة البيئة مما جعله طاردا للكثيرين وبالفعل بدأ هذا السوق يفقد اعداداً كبيرة من أصحاب الدكاكين. أما الأخ محمد الريح سائق حافلة مدني / المدينة عرب قال إنهم يعانون كثيراً من الرسوم العالية ولكن الغريب في الأمر أن الشخص الذي يتحصل هذه الرسوم يطلب منك مبلغا ويكتب في الايصال مبلغا آخر بمعنى أن المبلغ الذي ندفعه في الترخيص أكبر من المبلغ المكتوب في الإيصال، وهذه الظاهرة يعاني منها كل أصحاب الحافلات ومن يرفض الدفع يمنع من العمل. جباية بالمزاج أما التاجر عبد الرازق علي عبد المولى صاحب بقالة بالسوق الشعبي أوضح ل «الإنتباهة» أن الرسوم العالية تشكل لهم هاجسا كبيرا وتهددهم بالرحيل من هذا السوق الذي أصبح قائما على الجباية فقط، أما المحلية فلا خدمة تقدمها لنا نظير هذه الرسوم.. وأنا في هذا الدكان رسومي السنوية «350» جنيها اضافة الى ذلك ندفع ضرائب أخرى، وندفع كذلك زكاة، وكل هذه المبالغ تؤخذ منا حسب مزاج وتعامل الشخص المتحصل، قد يطالبك موظف بمبلغ 600 جنيه وشخص آخر يطالبك بمبلغ «6» ملايين جنيه، وندفع ايضا عوائد شهرية كانت «15» جنيهاً وفجأة ارتفعت الى 50 جنيها دون ان نعلم سبباً لهذه الزيادة ولا نعلم كيف صدرت القرارات بفرض هذه الرسوم لكن يبدو أنها قرارات محلية. «زنازين» بالسوق الشعبي وتاجر آخر اسمه دفع الله العوض يعمل في مجال بيع الأواني المنزلية قطعنا عليه نومته وداهمناه في مقره وهو يتهادي علي كرسيه المتهالك داخل متجره في مساحة ضيقة لا تتجاوز «2 في3 متر». فالرجل وكأنه مسجون في زنزانته ينتظر فرجاً من الله ولكن الإخوة في الوحدة الادارية او المحلية وبدلاً أن يعينوه في سبيل إعاشة أبنائه بالحلال، ولكنهم ودون اعتبار للحالة الاقتصادية العامة التي تعانيها الشرائح الضعيفة يطاردونه بالرسوم والعوائد والضرائب وقبل ان يتحدث الينا توجس خيفة وظن اننا ناس المحلية او اية جهة اخرى تريد مالا ولكن حينما اخبرناه من نحن وماذا نريد تحدث الينا قائلاً إنهم يعانون كثيرا من هذه الرسوم التي تفرض عليهم بأوامر محلية لا علاقة لها بالمجلس التشريعي على حد قوله اضف الى ذلك فان حركة البيع متوقفة تماما والدكاكين كما ترونها بائسة وضيقة وضعيفة البنية. اللجنة الرئاسية ويبدو ان الدولة وعلى مستوى قيادتها كانت قد شكلت لجنة برئاسة الجمهورية لمعالجة ومتابعة التحصيل غير القانوني وإلزام الولايات بتكوين لجان مماثلة لمعالجة هذه الرسوم غير القانونية، ففي ولاية الجزيرة تم تكوين لجنة برئاسة مستشار قانوني من وزارة العدل ومقررية جهاز الامن الاقتصادي وعضوية ممثلين للشرطة والقوات المسلحة ووزارة المالية، حيث اكتشفت هذه اللجنة ان هناك رسوما يتم تحصيلها خارج اورنيك «15» وبالاخص من سائقي عربات الأمجاد بالمواقف المختلفة، وكشفت اللجنة عن تحصيل غير قانوني لبعض رسوم المغادرة في الميناء البري بود مدني. وإزالة نقاط الزكاة والضرائب والغابات من نقاط العبور وأفاد مصدر مسؤول فضل حجب اسمه ل «الإنتباهة» ان هنالك عمليات تحصيل تتم خارج الميناء البري لمواقف خارجية على الرغم من صدور قرار من المحلية بإيقاف المواقف الخارجية. وقد قامت اللجنة بتحديد الرقم «831414» لاستقبال الشكاوي حول التحصيل غير القانوني.