لقد أعلنت مفوضية الانتخابات جدولاً زمنياً تفصيلياً لكل العملية الانتخابية من بدايتها حتى نهايتها وإعلان نتائجها، وتشمل انتخابات رئيس الجمهورية والولاة والانتخابات الولائية. وأن حزب المؤتمر الوطني بدأ استعداداته للانتخابات القادمة منذ وقت مبكر وأعاد تكوين وتنشيط مؤتمراته القاعدية صعوداً للمحليات واستعداداً لمؤتمرات الولايات والمؤتمرات القطاعية وسيتوج ذلك بالمؤتمر العام القومي للحزب الذي سيعقد في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر القادم، ويتم فيه انتخاب رئيس الحزب للمرحلة القادمة ويغدو تلقائياً هو مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية، وسيعقب ذلك حراك كثيف داخل كل دائرة جغرافية لاختيار مرشحها مع الحراك الدؤوب لاختيار مرشح الحزب لموقع الوالي في كل ولاية مع تحديد أسماء من يتم انتخابهم ويقع عليهم الاختيار ليكونوا مرشحي الحزب في الدوائر النسبية، ومن ثم تبدأ عملية التعبئة، وأن الكوادر التنظيمية ما فتئت تعمل في صمت وتتحرك بهدوء وسط عضويتها وهذا هو ما يدور على مستوى الحزب الحاكم من حراك كثيف واستعدادات تجري على قدم وساق للانتخابات القادمة مع القدرة على توفير التمويل المالي الكافي أو الفائض، والنظام الحاكم يعمل الآن بشرعية دستورية كفلتها له نتائج انتخابات عام 2010م مهما كان رأي المعارضين فيها سيئاً، وتبقت له من دورته الحالية ثمانية أشهر وتؤكد كل الدلائل والمؤشرات أنه لن يرضى بأن تحل محله حكومة قومية انتقالية تنهي شرعيته قبل أن يكمل دورته، وفي ذات الوقت لن يرضى بتكوين حكومة انتقالية بعد انتهاء دورته ويبذل قصارى جهده لتمديد شرعيته الدستورية عن طريق صناديق الاقتراع والفوز في الدورة القادمة التي ستمتد بين عامي 2015م-2020م، ولكنه يريد تجنب الأخطاء التي ارتكبها في الدورة الحالية إذ أنه حصل علي أكثر من تسعين في المائة من مقاعد المجلس الوطني ومقاعد المجالس التشريعية الولائية وأثبتت التجربة فشل السيطرة الآحادية في المجالس التشريعية وجعلتها باهتة ضعيفة ولذلك فإنها تسعى في الدورة القادمة للحصول علي أغلبية مريحة وليست مطلقة وربما ترضي بإخلاء 40% من عدد مقاعد البرلمان الاتحادي والمجالس التشريعية الولائية للأحزاب الأخرى، وهذا يعطي هذه المجالس النيابية قدراً من الحيوية الذي تفتقده الآن ولا تتحرج في إعطاء فرص كافية حتى للمناكفين والمعارضين الشرسين ولسان حال النظام يردد ما لا يقتلني يقويني، ولن يسقط البرلمان الحكومة لأن النظام رئاسي وليس برلمانياً ولعل النظام لا يمانع في منح الأحزاب الأخرى إذا توالت معه ذات النسبة في السلطة التنفيذية على المستويين الاتحادي والولائي وقد يتم إشراكهم هذه المرة بطريقة أكثر فاعلية من المرات السالفة شريطة أن تكون له هو الأغلبية والرئاسة وقيادة دفة المسيرة تحت لواء حاءاته الثلاث «حكومة حزب حركة» ولذلك فإنه يولي الانتخابات القادمة أقصى درجات اهتمامه للظفر فيها بأغلبية مريحة. أما بقية الأحزاب الأخرى فليس لها استعدادات للانتخابات القادمة ولا توليها أي اهتمام يذكر، ويمكن تقسيم هذه الأحزاب لعدة أنواع ومنها الأحزاب الصغيرة التي يمتد وجودها لنصف قرن في فترة ما بعد ثورة أكتوبر عام 1964م ولم يحصل أي واحد منها على مقعد واحد في كل البرلمانات المتعاقبة منذ ذلك الوقت، ولكنها ظلت تحدث صراخاً عالياً وأصواتها عالية وهي أكبر من أحجامها الضئيلة وأوزانها الجماهيرية الخفيفة، ومن بين هذه الأحزاب خفيفة الثقل القاعدي حزب واحد حصل في كل البرلمانات المتعاقبة على خمسة مقاعد برلمانية في الدوائر الجغرافية طيلة الستين عاماً الماضية منذ انتخابات البرلمان الأول في عام 1954م. واذا أعطيت هذه الأحزاب الصغيرة ضمانات كافية بأن الانتخابات القادمة ستكون نزيهة مع تنفيذ شرط مهم يقضي بمنح أي مرشح يشغل منصباً رسمياً دستورياً أو غير دستوري إجازة عن عمله الرسمي فور قبول وإجازة ترشيحه لئلا يستغل نفوذه وسلطاته وأجهزة الدولة وأعلامها للتأثير على الناخبين وفي كل الأحوال فان الأحزاب المشار إليها ستقاطع الانتخابات ولو أجريت وهي خالية من كل عيب لسبب بسيط هو أن بعضها لن يحصل على 1% من مقاعد البرلمان، وبعضها كالعهد به لن يحصل على دائرة واحدة في كل أرجاء القطر ولذلك فإنهم يفضلون التهريج في الأجواء الضبابية ويعلنون مقاطعتهم للانتخابات وهناك عشرات الأحزاب التي لا في العير ولا في النفير وليس لها وجود إلا في أضابير وأوراق مسجل الأحزاب وليست لأغلبها القدرة على المنافسة للظفر برئاسة لجنة وحدة إدارية أو حتى القدرة على الفوز بأغلبية في لجنة شعبية ولذلك فإنهم يعلنون مقاطعتهم للانتخابات القادمة. وهناك نوع ثالث من الأحزاب كان له وجود كبير ومعتبر في البرلمانات السابقة في العهود الماضية وتولت مقاليد الحكم ولكنها ظلت بعيدة عن السلطة لمدة ربع قرن من الزمان جرت فيها مياه كثيرة تحت الجسر ولن تعرف قوتها الجماهيرية الحقيقية بعد مرور كل هذه الأعوام الطويلة إلا عن طريق صناديق الاقتراع، ولكن يبدو جلياً أنها لا تولي اهتماماً للانتخابات القادمة لانها نامت على العسل منذ ليلة خطاب الوثبة في يوم 25 يناير المنصرم أي قبل ستة أشهر ونصف وظلت تراودها أحلام بأن الحوار الوطني سيفضي لتشكيل حكومة قومية انتقالية تصفي دولة الحزب على حد تعبيرها لتحل محلها دولة كل مكونات الوطن، ومن ثم يتم إجراء انتخابات حرة على نسق ما جرى بعد ثورة أكتوبر عام 1964م وانتفاضة رجب أبريل عام 1985م وعند إدراكها ان هذا مطلب بعيد المنال حاولت أن تسعي للضغط على النظام ليرضخ وتهديده بخلق حلف بين المعارضين والمتمردين حملة السلاح لمقاومة النظام ويبدو أن هذا لن يهز شعرة في النظام العنيد الذي يتمسك بشرعيته ويتشبث بها حتى انتهاء دورته مع سعيه الدؤوب لتمديد شرعيته عن طريق صناديق الاقتراع لدورة أخرى قادمة، وهو لا يمانع في التفاوض مع المتمردين وفي ذات الوقت فانه يسعى لسحقهم والقضاء عليهم في الميدان إذا لم يجنحوا للسلم ويأمل أن يكسر شوكتهم عند انتهاء دورته الحالية حتى اذا بقيت بعض العصابات هنا وهناك. وخلاصة القول إن حزب المؤتمر الوطني الحاكم كان يأمل ان يفضي الحوار الوطني لتوسيع دائرة المشاركة وتفعيلها في إطار ما هو قائم وأن الآخرين الذين يرون أنهم أولى بالحكم كانوا يأملون في ان يفضي الحوار الوطني لإيجاد نظام جديد وتصفية النظام القائم بطريقة سلسة. وكل طرف من الطرفين كان يقدم طرحاً نقيضاً لطرح الآخر، وإن الضحكات والابتسامات عندما يلتقيان لا تغدو ان تكون كما قال المتنبي «إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم!!». ولكن المتوقع ان تحدث تفاهمات ومد لجسور الوصل بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم وبين الحزب الاتحادي الأصل والحزب الاتحادي المسجل وربما يصلح العطار ما أفسده الدهر بين المؤتمرين الوطني والشعبي. وقد بذل النظام الحاكم جهوداً كبيراً لمد الجسور مع حزب الأمة القومي وكان يضعه في مقدمة أولوياته ولكن يبدو أن عقبة الرئاسة هي الصخرة الصلدة التي تتكسر عندها كل محاولات التقارب والمشاركة في السلطة بين الوطني والأمة، ولذلك قد يجد الحزب الحاكم نفسه مضطراً لمواصلة إشراك الأحزاب الصغيرة التي تحمل اسم حزب الأمة.