حقيقي هذه مشكلة لم يكن السودان يوماً يعرف لها طريقاً، وليست من الأشياء التي تخطر بعقول «مجرميه» أبداً. هذه ابتلاءات أرادها الله لهذا البلد تأديباً لفئة خَرِبَتْ ضمائرها وتلفت وطنيتها... وما عاد الوطن يعني لها شيئاً مقابل مصلحتها الشخصية... فئة مات الضمير فيها وأصبحت لا تشعر بألم ومآسي الآخرين... وأشك في سودانيتها الخالصة، فالسودان ظل مفتوحاً في كل حدوده بحكم وطبيعة حدوده الجغرافية التي تُمارس عبرها هذه الفئة الضالة هذه التجارة الغريبة على السودان الذي تتجسد في إنسانه معاني الإنسانية التي ترفض مثل هذا النشاط اللاأخلاقي... هذا النشاط الإجرامي البغيض دخيل على السودان والسودانيين... لكن اليوم صار مزعجاً ومرعباً ومخيفاً... تجارة بشر هذا أمر لم نعهده صراحةً... إنما هو أمر جديد على السودان... أن نسمع بتهريب بضائع وسلع تموينية هذا ليس غريباً وهذا معروف في كل دول العالم التي تصعب فيها الإجراءات الجمركية وحدودها مفتوحة... بالطبع ارتفاع تعريفة الجمرك واحدة من هذه الأسباب وراء ارتفاع جرائم التهريب وكثرة بلاغاتها... فكلما كانت الجمارك سهلة التعامل من حيث التعريفة الجمركية انعكس ذلك مباشرة انعكاساً إيجابياً على انخفاض معدلات التهريب لأن الإنسان السوداني بطبعه لا يرغب في المجازفة والمخاطرة بحياته وماله، لأن عقوبة التهريب عقوبة صارمة ربما قد تؤدي بصاحبها للموت. لكن المشكلة المزعجة بحق هي عملية الاتجار بالبشر المهربين منهم.. والاتجار يكون في بيع أعضائهم... خاصة الأعضاء المهمة «كالكلى» وغيرها من الأشياء التي أصبحت تباع بأبخس الأثمان... فصار الإنسان رخيصاً يُباع كالإسبيرات وقطع الغيار قطعة قطعة... حتى ينتهي ويصبح هيكلاً لا فائدة منه ولا قيمة... هادماً بذلك كل معاني الإنسانية والإخلاص. تهريب البشر له أسبابه وهو مرحلة قبل الإتجار في بيع الأعضاء البشرية خاصته، ومن العوامل والأسباب الاقتصادية منها والسياسية خاصة هي التي تكون وراء مصيبة الاتجار بالأعضاء البشرية. ضعف النفس وسوء الأحوال المادية هي التي تكون وراء هذه الظاهرة التي أخذت في الانتشار يوماً بعد الآخر. أن ينزعج السيد وزير الداخلية ويصرح عبر الصحف بأن السودان يعاني من الاتجار بالبشر، حينها يكون الأمر جللاً وناقوس الخطر قد دق واستقر... وأصبحت المعلومة ليست كما يقولون «كلام جرائد» إنما من بيت «الكلاوي». هذه الظاهرة أصبحت واقعة وحقيقة.. إذن تحتاج لمكافحة وعلاج جذري... وهذا لا يتأتى إلا بتضافر كل الجهود في كل الجهات.. والوقوف ضدها وقفة رجل واحد. ليست الشرطة وحدها هي التي يجب أن تقف في وجه هذه الظاهرة... بل يجب أن تقف كل القوات من أمن وشرطة وجيش وشعب «لمنعها»، وحينها سيكونون قادرين على ذلك اذا لم تتدخل المصالح الشخصية فيما بينهم من الذين قلنا عنهم أن ضمائرهم ماتت. يسألونك عن أسباب زيادتها وانتشارها.. نقول طول الحدود التي تربطنا ببعض دول الجوار التي يتم توريد البشر منها... سهولة عبور هذه الحدود... ضعف مراكز الرقابة... قلة القوات التي يمكن أن تغطي هذه الحدود... ضعف الامكانات في المكافحة... حاجة السوق المحلي لهذه العمالة البشرية لأنها رخيصة.. أما في الاتجار وبيع الأعضاء.. ضعف الضمير الإنساني... ارتفاع نسبة أمراض الفشل الكلوي وغيرها من الأمراض التي يمكن أن تشترى بأغلى مبلغ وسعر يحدده تجار هذه المهنة الوضيعة... انعدام المراقبة داخل بعض المستشفيات التي تمنع مثل هذه الظواهر الغريبة وتحدها وتجعلها مستحيلة على ضعاف النفوس ورغباتهم في الكسب الحرام السريع. الحل... ليس صعباً أن يكون هناك حل قاطع لهذه الظاهرة... بتكثيف الجهود الأمنية على الحدود من عناصر تخاف الله في وطنها وأهله وسمعتهم.. عناصر تمتاز بالعفة والنزاهة وما أكثرهم... وتعديل القوانين بحيث تعادل في العقوبة الجريمة المرتكبة في هذا الأمر... التنفيذ الفوري لمثل هذه الحالات في المحاكم الخاصة بذلك، وأن يعلمها الجميع لتكون عبرة لمن يعتبر... ومراجعة رسوم تعرفة الجمارك وتسهيلها حتى تكون دافعاً لترك تهريب البشر واللجوء لتوريد البضائع الأخرى عبر قنواتها الرسمية.. ويصبح بذلك الإتجار بالبشر سوقاً كاسدة وغير رابحة كما هو الحال الآن، حيث أخذت تحقق أرباحاً عالية... عقد المؤتمرات وورش العمل التي تسمع لآراء المكتوين بنيران هذه الظاهرة وجمعهم للاستفادة منهم في المكافحة، والخروج بتوصيات من هذه الورش لتنفيذها على أرض الواقع بعد مناقشتها من أهل الخبرة على الحدود... مشاركة كل القوات الأمنية والتنسيق بينها تنسيقاً عالياً وفق خطة أمنية دقيقة ينفذ كل منهم ما يليه دون التدخل في حدود الآخر.. لتكتمل العملية بنجاح في قطع دابر هذه الظاهرة. ليس صعباً مكافحة هذه الظاهرة وبترها تماماً إذا صفت النوايا وأرادت بالبلاد خيراً... خاصة أن الظاهرة أصبحت ظاهرة دولية تؤرق كل الدول خاصة النفطية منها والأوروبية، حيث حقوق الإنسان أو كما يزعمون، والسودان للأسف أصبح نقطة عبور وتصدير واستهلاك.. فمنهم من يتساقط فيستقر ومنهم من يغادر فتأخذه البحار جملة.. ومنهم من يصل لمأواه فيأخذه الأعداء كرت ضغط ضد البلاد.. والحال يغني عن السؤال.