الجمال تراه وتحسه وتتذوقه وتتعاطاه وتنفعل به.. وهو أيضاً يأخذك ويأسرك ويسحرك وينميك ويطورك ويرتقي بك ويكون سبباً لنجاحك وسعادتك. والفنون ضرب من الجمال، وفي بلادنا كلية اسمها كلية الفنون الجميلة، وبعض جامعاتنا خصصت لواحات الجمال والفنون أرائك وقاعات وورش للدارسين والموهوبين، من تلك الجامعات جامعة النيلين، وفي جامعة النيلين كلية تنمية المجتمع، وفي كلية تنمية المجتمع قسم يعنى بتنمية القدرات الفنية ترأسه الدكتورة عوضية عبد الله ابراهيم. التقيناها في حوار خاطف. ولكن قبل أن ابدأها بالاسئلة دار بخلدي مفهوم الجمال كموهبة وهبة الهية عظيمة اعطت لهذا الكون بعداً روحانياً هو الاقرب للاعجاز في توظيف الجمال في مخلوقات الله جميعها، في الطبيعة: في البحار والانهار وفي الطيور وفي كل الكائنات وفي الإنسان الذي خلقه الله في احسن تقويم، وحتى الانعام اذ يقول الحق عز وجل عنها وهو خالقها: «والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون «5» ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون «6» الانعام بل الجمال ايضاً في الاخلاق والسلوك وفوق كل هذاوذاك فإن الله جميل يحب الجمال. ويبقى لنا أن نتعرف بعد تلك الخاطرة على قسم تنمية القدرات الفنية بكلية تنمية المجتمع.. فلقد زرت بالمشاهدة والكاميرا بعض اقسامه وبه مكتبة انيقة وقاعات وعند مدخله نافورة «عمل يدوي» لإحدى المنتسبات وتتخلله اعمال يدوية فلكلورية وفنية من المواد البلدية، كما تبدو في الصورة.. سألت الدكتورة عوضية أولاً أن تعرّفنا بنبذة قصيرة على قسم تنمية القدرات فأجابت: { بدأت الكلية بمركز تنمية قدرات المرأة لأن المرأة في المجتمع عموماً هي الأقل فرصاً في التعليم والتأهيل وهي طبعاً لها دور ايجابي وفاعل في المجتمع، ثم تطورت حتى وصلت إلى كلية تنمية المجتمع ككل». وهي تنمية قدرات المرأة، وقسم علم النفس، ورياض الاطفال «التعليم قبل المدرسي»، وقسم الفندقة والسياحة، ودبلوم التنمية الريفية. وتوجد كورسات تخصصية في التفصيل والخياطة واعمال يدوية شاملة ولغة انجليزية ويخرج الدارس بعدها «بشهادة تنمية قدرات». منذ متى كانت البداية ولكم عدد الذين تشرفت الكلية بتأهيلهم عبر مسيرتها؟ بدأت المراكز بالمحليات السبع بالعاصمة منذ عام 2004م، وفي 2010م تطورت بعد ذلك لكلية تمنح دبلوم 3 سنوات في مجالات الفندقة والسياحة ورياض الأطفال والتنمية الريفية، كما يوجد أيضاً دبلوم سنة واحدة في تنمية القدرات. وتقريباً عدد الخريجين والخريجات الذين تشرفت الكلية بتأهيلهم عبر مسيرتها يفوق ال 20 الف خريج. وقبل أن انسج حروف السؤال التالي للدكتورة عوضية لاحظت إحدى الفنيات الدارسات بالكلية تعنى بتنسيق اعمالها اليدوية، ويبدو أنها كانت في حالة ترقب لبعض الزوار للكلية من الضيوف الباحثين عن الجمال والإبداع. واستأذنت الدكتورة وطفت حولها بالكاميرا أصور وأسأل: الاسم؟ هدية آدم جمعة. من اين انت يا هدية. ومتى التحقت بالكلية؟ انا من منطقة شمال كردفان من محلية «ام كريدم» ببارا.. أكملت دراستي بالأبيض وتحصلت على الشهادة الثانوية والتحقت برغبتي في هذه الكلية. يعني يا هدية لانك من كردفان الغرة «ام خيراً جوه وبره» وهي بلد الجمال طبعاً جئت بوجدان اعمال القرع والأعمال اليدوية الفلكلورية كما نراها في اللقطة الماثلة.. هل كانت تلك بداياتك؟ أنا منذ مرحلة الأساس في الصف الثالث كنت مولعة بالأعمال اليدوية وكانت هوايتي، وقد بدأتها بأعمال الطين والعرائس. وماذا قدمت لك الكلية؟ طورت موهبتي واعطتني الكثير. وربما كان هذا الرد من الدارسة الموهوبة هدية هو الذي حفزني لسؤال اعمق قدمته للدكتورة عوضية، وكان لزاماً علينا في الاسئلة ان ندخل في العمق مادام السؤال سنختم به هذه العجالة التي كانت تحتاج لوقت اطول. وسألت دكتورة عوضية: ما نشاهده اليوم في واقع حياتنا في بيئتنا العاصمية بالذات في الأسواق وبعض الاحياء وربما المؤسسات لا يمت للجمال ولا الذوق ولا الحضارة بصلة.. أين مردودكم وعطاؤكم ومفهومكم لذلك الواقع؟ أجابت الدكتورة وهي تبتسم كأنها كانت مع موعد للسؤال: هذه حقيقة مؤسفة، وربما كانت تلك من الأهداف والأسباب التي من اجلها قامت الكلية لتؤدي رسالتها، وكما اسلفت فإن خريجينا اليوم يؤدون دوراً نبيلاً على الأقل بوضع لمسات جمالية نأمل أن تكون في تنامٍ مع ما نصبو إليه من اهتمام اكثر من المسؤولين في الدولة. وخرجت وأنا أتأبط عملاً فنياً جميلاً للفنانة هدية عبارة عن «جبنة» من أعمال «القرع» ترقد في دعة حالمة على فحم متوهج ناراً لكنها باردة. فهي اشعة للمبة حمراء وأمامها فنجان فارغ، يذكرك بدندنة فنان في ربوع السودان: فنجان جبنا بي شمالو.. فنجان جبنة بي شمالو. وتركت الكلية الجميلة وراء ظهري وأنا أعبر مطبات وخيران وأوساخ موقف الاستاد واتحسس الارصفة القبيحة عسى أن احظى بالعثور على بص الشنقيطي.