إذا كان قد يمكن ويجوز ويصح القول إن الحراك السياسي الجاري على المستوى الوطني في الوقت الحالي، إنما يشير لدى النظر له برؤية متعمقة ومتمعنة في ما ينطوي ويحتوي عليه من دلالة ذات مغزى، إلى أن السلطة الحاكمة الراهنة، والقائمة منذ وصولها إلى سدة مقاليد الحكم بانقلاب شوري مدني وعسكري بعيد المدى أقدمت على القيام به العام 1989م الحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة، قد وجدت نفسها مضطرة، بعد مضي كل هذه الفترة الطويلة والممتدة منذ مجيئها، في حاجة ملحة وضاغطة لدفع الاستحقاقات المتراكمة ومواجهة تداعياتها المتلاحقة التي تعود الجذور الكامنة فيها والدافعة والرافعة لها إلى ما جرى في أواخر سنوات القرن الميلادي العشرين المنصرمة، وما نجم عن القصف الصاروخي والجوي الأمريكي لمصنع الشفاء للأدوية بالخرطوم في العام 1998م، وذلك على النحو الذي أفضى وأدى إلى ما يسمى بالمفاصلة الناتجة عن ما حدث من تصدع حينها للسلطة الحاكمة القائمة والنخبة المؤسسة لها، إضافة إلى ما نجم ولما حدث ونبع نتيجة لذلك من تطورات متعاقبة ومتسارعة حتى بلغت الموافقة على الاستجابة الراضخة للقبول بالتسوية الفاصلة المبرمة العام 2005م مع الحركة الشعبية التي كانت متمردة بقيادة زعيمها وملهمها ومرشدها الراحل د. جون قرنق في مناهضة ومعارضة مسلحة وحاصلة على الدعم المحرض والمؤيد والمساند لها من قوى دولية وإقليمية عاتية ومعادية للسلطة السودانية المركزية والوطنية التي ظلت سائدة منذ الاستقلال الوطني للسودان وحتى الآن. إذا كان كان ذلك كذلك كما نرى في سياق ما نقوم به من قراءة لما بين السطور في الذي ظل وما زال يدور بين النخبة المدنية والعسكرية الحاكمة للسلطة الراهنة والمعبرة عن الحركة الإسلامية السودانية الحديثة والمعاصرة.. فإن السؤال الذي يفرض ويطرح نفسه بقوة على النحو الذي نسعى للإجابة عليه ضمن هذا الإطار للرؤية التي نستند ونرتكز عليها وننطلق منها، هو إذن يا ترى ما الذي تعود له الجذور الكامنة في الموقف والموقع الحالي للفريق أول بكري حسن صالح النائب الأول للسيد رئيس الجمهورية ونائب الأمين العام للحركة الإسلامية المساندة للسلطة القائمة ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم للشؤون التنفيذية؟. وبناءً على هذا، وقبل الشروع في المحاولة الهادفة للإجابة على هذا السؤال الصعب والشائك والشديد التعقيد، تجدر العودة إلى ما سبق أن نوهنا له عندما أشرنا ضمن هذه القراءة إلى ما جرى في حقبة مبكرة ومرحلة أولية منصرمة بعد وصول السلطة الراهنة القائمة إلى سدة مقاليد الحكم، وذلك على النحو الذي أسفر حينها عن الاستقالات الشهيرة والمثيرة لما تنطوي عليه وتشير إليه من دلالة ذات مغزى عندما أقدم على القيام بها كل من العميد عثمان أحمد حسن والعقيد فيصل مدني والعقيد فيصل أبو صالح من المجلس العسكري بقيادة الثورة. وكما هو معلوم فقد كانت تلك الاستقالات أو خاصة تلك التي تقدم بها العميد عثمان أحمد حسن من موقعه ومنصبه كرئيس للجنة السياسية التابعة للمجلس العسكري لقيادة الثورة، ذات علاقة وثيقة الصلة بما دار من خلاف في الرؤية، نشب واحتدم وتفاقم وتصاعد وبرز بحدة للمرة الأولى حينها، بشأن الجهة التي ينبغي ويجب أن تحظى بالوضعية العليا كمرجعية حاكمة وحاسمة ومهيمنة ومسيطرة بصورة طاغية على غيرها فيما يتعلق بالفصل في الكيفية التي يجب أن يتم عبرها تصريف وتسيير مقاليد الأمور، وهل تكون هي القوى المدنية الداعمة للسلطة والمساهمة في تأسيسها ممثلة في الزعامة الملهمة والمرشدة للحركة الإسلامية الحديثة والمعاصرة والمجسدة بصفة شخصية صارخة وشاخصة وماثلة في د. حسن الترابي؟. أم أن هذه المرجعية الفاصلة يجب أن تكون خاضعة وعائدة ومعتمدة ومستندة ومرتكزة على القاعدة العسكرية الصلبة التي تولت القوى القائدة والممثلة لها والمعبرة عنها القيام بالأدوار الحاسمة على النحو الذي أثمر وأسفر عن تحقيق ما سعت له الحركة الإسلامية وما رمت له وتمادت وتفانت وتفننت فيه حتى تمكنت من الاستيلاء على سدة الحكم والسلطة والسيطرة عليها بهيمنة منفردة؟. وهكذا ونظراً لتعذر وتعثر القادة على الإجابة على ذلك السؤال الجوهري والمحوري والرئيسي والأساسي، بكل ما ينطوي ويحتوي عليه من تأثير بالغ الحدة وشديد الوطأة في الدلالة البعيدة المدى حينها، فقد اضطر العميد عثمان والعقيد فيصل مدني والعقيد فيصل أبو صالح إلى الإقدام على الاستقالة من عضوية المجلس العسكري القيادي لثورة الإنقاذ الوطني في تلك المرحلة والحقبة المبكرة والأولى من عمر السلطة الحاكمة القائمة والراهنة. وهذه مسألة ربما قد نعود لها في قراءة أخرى، أما الفريق أول بكري فقد برز موقفه بصورة خاصة عندما أقدم على تقديم المساندة الداعمة بقوة لما يسمى بمذكرة العشرة التي أفضت وأدت لما يسمى بالمفاصلة في أواخر سنوات القرن الميلادي العشرين المنصرمة كما نرى. ونواصل غداً إن شاء اللَّه.