من أكثر الأشياء التي علينا التشبث بها ونبشها وإخراجها، هي تلك الإضاءات الإبداعية بداخلنا.. كيف نجعلها متقدة دومًا.. كيف نحميها من شر ما يهدد وجودها وتفجرها... كيف نثبت أن كل شخص بداخله إبداع ما.. بذرة ما.. غرس ما.. يحتاج إلى مقومات ليكون حقيقة عملاقة أمام أعيننا. وبين إبداع لا تخطئه العين، يبرز صاحبه ونشاط ما يمارسه الإنسان يبدع فيه دون سابق تخطيط ويأتي بما لم يأت به الأوائل! دراسات أجريت وأظهرت أن هناك علاقة عمرية بين العمر والإبداع، أظهرت أن الذروة في السيرة المهنية والإبداعية تقع بين الثلاثين والخامسة والأربعين من العمر! لكنها أُدحضت!! و دراسات أخرى أنها حول سن الخامسة والأربعين بزيادة إو نقص خمس سنوات!! وما جاء به البعض من تزايد الإبداع وتناقصه مع العمر قال الفيلسوف الألماني هيغل في ملاحظاته أن القوة الإبداعية تعود للظهور بين سن الثمانين والخامسة والثمانين، وإن ذلك قد يرجع إلى تذكر أيام الشباب وما يحدث فيها من استفادة من روح الفترة الإبداعية لدى بعض الأشخاص إضافة إلى المبدع. إن المبدع من خبرته الطويلة وامتلاكه لقدرات تمكنه من التعبير أكثر وبشكل مؤثر، أو قد تكون تلك الكتابات المتأخرة عبارة عن مشروعات بدأت في عقل المبدع وهو في سن صغيرة، لكن انشغاله بمشروعات حياتية أخرى جعلته يؤجلها إلى هذه المرحلة من العمر لينجزها بشكل أكثر حبكة وحنكة. ليس من حقنا أن نحدد عمرًا للعطاء والإبداع داخل الإنسان فنحن لا نعرف متى يتدفق أو كيف؟ فهو مخلوق طليق لا نستطيع حجبه ومسكه رغم أننا نستطيع إلى حد ما خنقه وإصابته بالشلل، وهذه جريمة للأسف الشديد لا قانون يحكمها. من حق الإبداع علينا اكتشافه ونبشه أينما كان ورعايته منذ الطفولة، ولا يحق لنا.. وأده وتعطيله أو ححجبه . ولا أدري سببًا يجعلنا نجرم في حق الإبداع ونحيل مبدعًا ما في أي مجال كان الى المعاش؟؟ لدينا نماذج سودانية مبدعة كثيرة جدًا حملت إبداعها وتراجعت إلى هامش الحياة تبعًا لسن المعاش أو ضجراً من الرهق الذي يقابلونه ويعيشون فيه كل يوم. ويتكرر معنا الإحساس والمشهد عند مقابلة أي من مبدعي الزمن الجميل ذلك المزيج من الأسى والحسرة والتحسر وأحيانًا الانهزام أمام كل ما يجري حولهم ويصيبهم رذاذه! لماذا لا يجرى إحصاء استثنائي لمبدعينا، ومن هم في طريق الإبداع وصاحب كل بذرة مضيئة والعمل عليهم وبهم وبجهد لا يكل، وهم يشفينا ويكفينا شر الإحباط والعجز وكتم الإبداع حتى آخر نفس.. هل من غيرنا يسن للإبداع عمرًا افتراضيًا ولا يملك ضمانًا لما قد يأتي أو لا يأتي من رحم الإبداع؟! ماذا اذا أقصينا مبدعينا عن الساحة لإتاحة الفرصة لغيرهم ولم يكونوا قدر الفرصة ولا قدر التحدي! العمر لا يعطل الإبداع ولا المرض ولا الزمن بل يصقله.. ينقيه.. فنسمو ويسمو صاحبه ويفتح دروبًا أخرى لا تحد لجيل يأخذ نفسًا نقيًا وعميقًا ويبدع دونما قلق وحساب للأيام والساعات وعمر الإبداع الافتراضي.. نماذج كثيرة تثبت للإبداع عمره الممتد.. رواية الإخوة كازمازوف كتبها ديستوفسكي في سن «59»، وبرنارد شو كتب الكثير من أجمل أعماله بعد أن تجاوز الثمانين من عمره! وبالصوت العالي ننادي ادعموا ساعدوا وساهموا في اكتشاف ما بين أيدينا من إبداعات ولو على صعيد الحس وترفقوا بأهل الإبداع وعاملوهم بما يليق ونقبوا عن مواطن إبداع ومبدعين واحتووههم فهم الرهان والقيمة في هذا الزمان.