صحيح اعتذرت كينيا عن قرار رئيس المحكمة العليا الكيني، حول توقيف الرئيس البشير في حال وطأت أقدامه الأراضي الكينية، وسارع الرئيس كيباكي، بإرسال مبعوثين عنه هما وزير الخارجية ووزير الدفاع، وسلما رسالة خطية منه للرئيس... هل هذا يكفي؟؟ لا نعتقد، فما وجده قرار القضاء الكيني من صدى واستغلاله إعلامياً وتوظيفه سياسياً، لا يمكن أن يمحو أثره خطاب الاعتذار الرقيق الذي لم يجد رواجاً كما قرار المحكمة... ونتساءل، ما الذي لم يفعله السودان من أجل كينيا حتى نُلطَم منها هذه اللطمة، لقد أعطيناها بلا مقابل، أهم قيمة سياسية لها في تاريخها باحتضان وقيادة التفاوض حول السلام في السودان وحل قضية الجنوب وإتمام اتفاقية نيفاشا التي وُقِعت في كينيا في يناير2005م بعد جولات تفاوضية بدأت منذ2000م، وتوقفت أطول حروب القارة الإفريقية بالاتفاقية وهو شرف لم تنله دول مثل مصر وليبيا اللتين طرحتا من قبل المبادرة المصرية الليبية المشتركة لحل قضية الجنوب، لكن السودان والحركة الشعبية آنذاك اختارا كينيا لتكون صاحبة الشرف.. ويقدِّم السودان لكينيا الكثير، فأكثر من 80% من واردات السودان من الشاي من هذا البلد الإفريقي المنتج للشاي، وهناك تبادلات تجارية ودعم سياسي وبترولي من السودان ذهب لكينيا، وللسودان دور كبير في حل الكثير من القضايا والتوترات الداخلية الكينية واحتفظت الخرطوم بعلاقات جيدة مع نيروبي وظل هناك تنسيق سياسي بينهما في الكثير من القضايا الإفريقية وفي القرن الإفريقي. فهل الاعتذار يكفي ويمسح ما تلطخنا به من تُرهات المحكمة العليا الكينية؟؟ الموازنة العامة للعام 2012م أجاز مجلس الوزراء موازنة العام واعتمدها في جلسته يوم الخميس، توطئة لعرضها على البرلمان للتداول حولها وإجازتها، وواضح من العرض الذي قدمه وزير المالية علي محمود من مقترحاتها لمجلس الوزراء أمس وحديث من شاركوا في النقاش الطويل جداً في مجلس الوزراء من «الساعة الحادية عشرة صباحاً حتى الثالثة ظهراً»، أن الاقتصاد السوداني تعافى من صدمة انفصال الجنوب، فمؤشرات النمو تزداد مع انخفاض نسبة التضخم ولجم الاضطرابات الاقتصادية، وهذا يعني أن الاستقرار الاقتصادي هو الهدف الأكبر والأوحد لهذه الموازنة، ومع قراءة دقيقة للموازنة ونسب العجز الكلي فيها 3% ونسبة النمو المقدرة ب2% وحجم الاستدانة من الجهاز المصرفي والتركيز على زيادة الإنتاج والصادر والتصنيع والتوسع الزراعي واعتماد 25 ألف وظيفة وفرصة عمل جديدة، تعطي الأمل بأننا يمكن أن نتجاوز أي عقبات تهدد الاقتصاد بعد امتصاص أثر انفصال الجنوب.. لكن القضية الأساسية هي إعادة هيكلة الاقتصاد والالتزام الصارم بتنفيذ البرنامج الثلاثي في محاوره المختلفة والاعتماد على توجيه الموارد نحو الزراعة والقطاعات الإنتاجية، وتقليل الإنفاق الحكومي والمضي قدماً في تصفية الهيئات والشركات الحكومية ومنع ارتفاع أسعارالسلع وتوفيرها وإعداد بدائل جديدة في الموارد لتوسيع الإيرادات ودعم القطاعات المنتجة... التحدي أمام وزير المالية ووزارته هو الخروج بالموازنة من صيغة الجمود التي تلازم شرحها كل عام، وتبسيط تقديمها للناس للتكيُّف معها وفهمها. طروجي... والأبيض استعادت القوات المسلحة أول من أمس منطقة طروجي أقصى جنوب كردفان، وقريباً من الحدود مع دولة الجنوب، وهذا التطور المهم في العمليات العسكرية يشير لدنو دخول القوات المسلحة كما وعدت منطقة كاودا التي تعني الكثير للحركة الشعبية ومعقلها لسنوات طويلة، واستعادة طروجي تعني قطع كل خطوط الإمداد من دولة الجنوب عبر ولاية الوحدة، ومحاصرة قوات الجيش الشعبي في محيط أجزاء المحليات الجنوبية في الولاية، وفي شعاب الجبال في كاودا وغيرها، ولا تستطيع قوات الحلو والقوات التي جاءته من الجيش الشعبي والجنوب مواجهة العاصفة التي تقتلعه وهي تقترب بسرعة كبيرة نحو معاقل ومخابئ الحركة الشعبية قطاع الشمال التي ظنت أنها تتحصن ولا تستطيع أي جهة الوصول إليها، عما قريب تنهار أوهام الحركة وعملاء دولة الجنوب. الحكومة القادمة.. تأجيل التشكيل يُظن أن سبب التأخير في إعلان الحكومة هو المشاورات الختامية مع القوى السياسية الموافقة على فكرة الحكومة العريضة، وبالرغم من ملل المواطن من حجوة «أم ضبيبينة» هذه لتطاول مشاوراتها، ولمؤشراتها المحبطة كما بدا في مشاركة بيت الميرغني والمهدي بالصورة التي أطلت بها، إلا أن هناك بصيص أمل قليل في أن تكون الحكومة القادمة أقرب رشدًا من رغبة الناس، ففي الأخبار أن السيد مكي علي بلايل سيكون ضمن التشكيل الوزاري إذا انتهى التفاوض بين حزبه والمؤتمر الوطني لنقاط مشتركة إضافة لشخصيات وطنية ورموز سياسية واجتماعية أخرى لا خلاف كبير حولها، كلما جاءت وجوه جديدة وذات خبرات وقدرات وإرادة فاعلة في فعل شيء مفيد سنحت الفرصة لتقبل ما سيأتي ودعمه وتأييده.. لكن نخشى من التكرار الممل للوجوه وصدمة الشعب السوداني بأحمد وحاج أحمد. دكتور إبراهيم... من يسمع لجلال العلم.. في زوايا وفجوات الخرطوم وفي أودية صمتها العتيق، يعيش عالم كبير يعمل في خدمة العلم في هدوء بلا ضجيج ولا أضواء ولا زيف البريق، وهو العالم اللغوي وفقيه العربية الدكتور إبراهيم آدم إسحق، وهو كنز من كنوز المعرفة باللغة العربية وآدابها ولسانيات أهل السودان وغيرهم، في حديثه جديد وفي حكيه إمتاع وفي مقارباته وقراءاته سياحة لا تضاهى في التاريخ والألسن وأسرار لغتنا ولهجاتنا وخفاياها... الرجل يؤثر البقاء بعيداً في قاعات الجامعات بين طلابه والقراطيس والدواة والمداد.. ليت أجهزتنا الإعلامية تعيد الرجل لدوائرها المشغولة عن العلماء وأهل المعرفة والنجوم الحقيقيين لبلادنا. طرابلس من غير الفيتوري خلال الهزيع الأخير من القرن الماضي في نهاية السنوات التسعين، ولمدة أسبوعين كل ليلة كنت أكون فيها على موعد مع الشاعر الضخم محمد مفتاح الفيتوري، الذي هبط طرابلس قادماً من المغرب البلد الذي يحبه حباً جماً وكتب فيه وفي أحضانه أجمل قصائده ودواوينه التي تجد في أسفل القصائد دائماً مكان كتابة القصيدة، الفيتوري بسودانيته الفذة وجنسيته الليبية الطارئة عليه، كان يتحدث في كل شيء بلغته الباهرة وحكايته السمر وضحكته الخجولة كصبية لم تبلغ الثالثة عشرة، قد لا يعود الفيتوري لطرابلس مرة أخرى، لكنه كان حاضرًا بالأمس في حديث مع صديق من طرابلس ليل الخميس، والذي قال خلال عهد القذافي لم يكن من طعم ومذاق ونكهة إلا قهوة المقاهي القديمة والليالي الشعرية للفيتوري الذي ينثر أشعاره كما الجواهر المضيئة ثم ينغمس في ضفائر الرباط والدار البيضاء مرة أخرى التي استعاض بها عن بيروت التي أحبها وغادرها بلا عودة.. وتلك قصة أخرى.