لقد كان عصر الاستعمار الأوروبي الأول في إفريقيا، عصر نخاسة، تحولت فيه القارة ولعدة قرون إلى سوق كبيرة للرقيق يتهافت عليها الأوربيون في أبشع حملة عرفتها البشرية لاستعباد الإنسان، ففي عام 1454م شرُع البابا «نيقولا الخامس «2» للبرتغاليين على الشواطئ الإفريقية، مباركاً تجارة الرقيق التي لم تلبث أسبانيا أن بدأت تنافس البرتغال عليها، فتدخل البابا «الإسكندر السادس» لحسم الصراع، «برسم خط» على الخريطة الأفريقية يوزع مناطق النفوذ بين القوتين البحريتين وخلال الفترة من سنة 1762م إلى سنة 1800م وصلت إلى البرازيل « 588» سفينة تحمل « 251.000» مائتين وواحد وخمسين ألف إفريقي من أنجولا، وفي سنة1800م كان شاطئ الذهب «غانا» الآن يصدر سنويا«35.000» فرد إفريقي! وقد بيع «370.000» ثلاثمائة وسبعين ألف إفريقي من «الإيبو» على ضفاف النيجر خلال عشرين سنة فقط، وكلفت تجارة الرقيق قارة إفريقيا «200» مائتي مليون أفريقي الاتهام الأوروبي للعرب بالاتجار بالرقيق في أفريقيا! يقول مثل عربي قديم «رمتني بدائها وانسلت»: وأنقل للقراء هذه المعلومات التوثيقية من كتاب «أفريقيا المسلمة والهوية الضائعة»: في القرن «19» بدأت الحملة الأوروبية على العرب بتهويل ظاهرة الرق، في محاولة مستمرة إلى اليوم لصرف نظرالأفارقة عن الجرائم البشعة التي ارتكبوها لتشويه صورة العرب في أفريقيا، ولإقامة «حاجز مصطنع من العقد النفسية بينهم وبين أشقائهم الأفارقة وفتح هذا الاتهام الأوروبي للعرب بتجارة الرق أبواب أفريقيا أمام إسرائيل بعد غرسها في قلب العالم العربي 1948م، وليس هذا فحسب بل أتاح ذلك لإسرائيل أن يكون لها نفوذها السياسي والاقتصادي والتجارب في إفريقيا بعد حرب عام 1967م، وكانت »غينيا« الدولة الأفريقية الوحيدة التي قاطعت إسرائيل بعد إعتدائها على العرب عام 9671م، بينما نجد أن«17» دولة من «52» دولة إفريقية هي التي قطعت علاقاتها بإسرائيل بعد حرب أكتوبر 1973م. زائير، رواندا، بوركينا فاسو، الكميرون، تنزانيا، غينيا الإستوائية، مدغشقر، أفريقيا الوسطى، أثيوبيا، نيجيريا، غامبيا، زامبيا، غانا، السنغال، الغابون، سيراليون، وبعد شهر على حرب أكتوبر، أي في شهر نوفمبر، قاطعت إسرائيل كل من: كينيا، ليبيريا، ساحل العاج، بتسوانا، موريشص، إذ أدركت بأن لها مصالح مشتركة مع العرب، وظهر للوجود التضامن العربي الإفريقي ممثلاً في: - المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا - الصندوق العربي للمعونة الفنية العربية للدول الأفريقية غير العربية. - البنك الإسلامي للتنمية في إطار التعاون العربي الأفريقي من دلالات اختيارالسودان لاستضافة المهرجان الثقافي الذين يحرصون على إنصاف السودان أرضاً وشعباً وسلطة حكم وإدارة لشؤونه الداخلية، وعلاقاته الخارجية على مستوى القارة الأفريقية، والمنطقة الشرق أوسطية، والمجتمع الدولى ممثلاً في الأمم المتحدة، ووكالاتها المتخصصة، يدرك أن له السودان منذ استقلاله أدواراً سياسية وأمنية وعسكرية، واقتصادية وتجارية واجتماعية وثقافية كان له بها قصب السبق في حرية شعوبها، وسيادة أوطانها، قام السودان بتلك الأدوار التحريرية لأفريقيا خلال أربع سنوات فقط مرت على نيله الاستقلال والسيادة والحرية«1956-1960» وفي تلك الحقبة من التاريخ ظلت الخرطوم قبلة أبطال الكفاح الأفريقي السياسي والمسلح، ومعبراً آمناً لهم إلى القاهرة التى ساندتهم، وسخرت ما استطاعت من نفوذها الإقليمي والدولى تأييداً وانتصاراً لكفاح أحرار إفريقيا. لقد جعل السودان شعباً وحكومات في الماضي وفي الحاضرمن شعوب دول الجوار الأفريقي شركاء له في ما أفاء الله سبحانه وتعالى عليه من فيض نعمائه، فمد يد العون إليهم في بلدانهم يقاسمهم خيرات أرضه، وفي الداخل لم يضق ذرعاً بالمقيمين منهم، وباللاجئين إليه من قتال أو مجاعة، فكان بحق «قدح الضيفان». والسودان العربي الإفريقي المسلم، وسعت سماحة إيمانه بدين أغلبية المسلمة حقوق مواطنيه من مسيحيين، وحتى الأرواحيين« الوثنيين» أن يمارسوا شعائر وطقوساً ما يؤمنون به من عقائد روحية أو مادية، وحتى العقيدة الشيوعية الملحدة كان لها وجود في أرض السودان، في ظاهرة حضارية، ثقافية، قلما تبدو في كثير من دول الجوار، وفي كثير من دول العالم، عبرت بجلاء عن حرية الاعتقاد، وحق التعبير عنه في السودان، مما جعله واسطة عقد بين أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وشمالها، كما ظل قديماً وحديثاً »جسر« تواصل و تلاحم وتمازج بدم الأرحام، والمصاهرات العربية الزنجية، ما سهل تبادل القيم الحضارية، فنشأ بهذا التبادل التشابه في التقاليد والعادات والأعراف، والسمات الغالبة على الأجيال التي نشأت من عرب وزنوج. مسؤولية تكليف لا تشريف عن تحديد أولويات أهداف المهرجان في تقديري المتواضع حقاً أنه يتعين أن تكون لدينا جميعاً قناعة يقينية بأن إستضافتنا وتنظيمنا لهذا المهرجان الثقافي العربي الإفريقي الأول ليس مجرد »تظاهرة« محضورة، ينتهى أثرها بانتهاء فعالياته، ولذلك لا بد من الآن أن ندرس بعناية أولويات الأهداف التي نرجو أن نلتف حولها بعزم وأرادة كي ننكب على وضع الخطة السياسية الإستراتيجية لتنفيذها، وأن نرفع تلك الأهداف مرفقة بالخطة إلى قادة الدول الأفريقية والعربية الذين يملكون سلطة اتخاذ القرارت اللازمة بشأن ترجمتها إلى إنجازات واقعية تمهد الطريق إلى وحدة جنوب وشمال قارتنا الفتية.