المشعل اربجي يتعاقد رسميا مع المدرب منتصر فرج الله    تقارير تكشف ملاحظات مثيرة لحكومة السودان حول هدنة مع الميليشيا    شاهد.. المذيعة تسابيح خاطر تعود بمقطع فيديو تعلن فيه إكتمال الصلح مع صديقها "السوري"    شاهد بالفيديو.. على طريقة "الهوبا".. لاعب سوداني بالدوري المؤهل للممتاز يسجل أغرب هدف في تاريخ كرة القدم والحكم يصدمه    شاهد بالفيديو.. البرهان يوجه رسائل نارية لحميدتي ويصفه بالخائن والمتمرد: (ذكرنا قصة الإبتدائي بتاعت برز الثعلب يوماً.. أقول له سلم نفسك ولن أقتلك وسأترك الأمر للسودانيين وما عندنا تفاوض وسنقاتل 100 سنة)    رئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية يهاجم تسابيح خاطر: (صورة عبثية لفتاة مترفة ترقص في مسرح الدم بالفاشر والغموض الحقيقي ليس في المذيعة البلهاء!!)    انتو ما بتعرفوا لتسابيح مبارك    شاهد بالصورة والفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع "يأجوج ومأجوج" يسخر من زميله بالمليشيا ويتهمه بحمل "القمل" على رأسه (انت جاموس قمل ياخ)    شاهد الفيديو الذي هز مواقع التواصل السودانية.. معلم بولاية الجزيرة يتحرش بتلميذة عمرها 13 عام وأسرة الطالبة تضبط الواقعة بنصب كمين له بوضع كاميرا تراقب ما يحدث    شاهد بالصورة والفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع "يأجوج ومأجوج" يسخر من زميله بالمليشيا ويتهمه بحمل "القمل" على رأسه (انت جاموس قمل ياخ)    شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    البرهان يؤكد حرص السودان على الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع برنامج الغذاء العالمي    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    ميسي: لا أريد أن أكون عبئا على الأرجنتين.. وأشتاق للعودة إلى برشلونة    رئيس مجلس السيادة يؤكد عمق العلاقات السودانية المصرية    رونالدو: أنا سعودي وأحب وجودي هنا    مسؤول مصري يحط رحاله في بورتسودان    "فينيسيوس جونيور خط أحمر".. ريال مدريد يُحذر تشابي ألونسو    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    مستشار رئيس الوزراء السوداني يفجّر المفاجأة الكبرى    مان سيتي يجتاز ليفربول    دار العوضة والكفاح يتعادلان سلبيا في دوري الاولي بارقو    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزير الثقافة الأسبق بولاية الجزيرة بروفيسور إبراهيم القرشي ل (نجوع) (2 2):
نشر في الانتباهة يوم 16 - 12 - 2014


حوار: تيسير حسين النور - تصوير: متوكل البيجاوي
..قال لي: كتبت ودرّست في الجامعات ثم استوزرت وماعرفني الناس إلا من خلال (في رحاب الحبيب).. برنامجه التلفزيوني.. الذي يفخر به كثيراً إضافة إلى برامج أخرى في إذاعات مختلفة.. مثل (روائع المديح) (رياض المديح) أسمار في التراث (في إذاعة ساهرون وحديث السمار في تلفزيون ود مدني..
ذلك هو البروفيسور إبراهيم القرشي الوزير الأسبق بولاية الجزيرة حيث جلس في كرسي الوزارة ثلاث سنوات.. متعدد الاهتمامات لم تشغله الأكاديميات عنها صاحب قلم رشيق وكلمة طيبة وتواضع جم وليس غريباً على من ينهل من مدرسة الحبيب.. تحسده على استثماره للوقت في زمن يتساقط منا الزمن ولانكاد ندركه فهو بين البرامج والتدريس يدرس النحو والصرف والقراءات القرآنية والعروض الأدب بفروعه، والكتابة للصحف والنقد وتقديم المحاضرات في اللغة والتراث والأدب.. التقيناه وكانت إجاباته على محاورنا أشبه بالمحاضرة ثقافة ودسامة.. وهذا هو الجزء المتبقي من حوارنا حفظه الله..
٭ الساحة الثقافية اليوم هل تقنعكم بنشاطها وحراكها؟
قطعاً لا. الصورة المثالية لثقافة أهل السودان مصابة بكسوف لك أن تقدري نسبته ولكن لا تتفاءلي بأكثر من ربع الصورة والربع كثير.. نحن لا نعرف ثقافتنا ومن باب أولى لا يعرف غيرنا ما عندنا؛ إذ فاقد الشيء لا يعطيه. نعم هناك إشراقات هنا وهناك متناثرة مثل نجيمات بعيدة في دجى ليلة حالكة. ثقافتنا تحتاج إلى الجمع والتوثيق والغربلة والدراسة والتمحيص والتحليل، ونصوص التراث ومكونات الثقافة تحتاج إلى عقلية انتقائية ونقدية بارعة تظهر ما ينبغي لنا إسقاطه حتى تمضي المسيرة سليمة معافاة وتتكون قاعدة صلبة يقف عليها النشء ثم ينطلق منها.
تأملي مصادر ثقافتنا القديمة، نحن أمة غلبت عليها المشافهة ردحاً من الزمن، فابتدرت الراية أقلام غير سودانية من المصريين والشوام والأوروبيين، ففي تراث الرحلات وثق لنا بيركهارت، وفي قبائلنا اعتمدنا كتابات ماكمايكل، وفي التاريخ الشاطر بصيلي ونعوم شقير والجابري وإبراهيم فوزي باشا وحتى سلاطين باشا، وفي الآثار آركل وفي علم الاجتماع باركلي، وفي الجغرافيا كايو و ألان مورهيد، وفي الإسلام تيرمنجهام وفي شعراء السودان سعد ميخائيل، وفي السياسة يونان رزق، وحتى الدوبيت على وعورته درسه لنا عبد المجيد عابدين وعز الدين إسماعيل، وهذا قليل من كثير. نحن نشكرهم ولا نكفرهم فنكون كمن (ساعدوه في قبر أبوه دس المحافير) فقد بقيت دراساتهم لبنات بني عليها ما جاء بعدها، ولكن أرجعي إلى هذا المصنفات لتري مقدار ما فيها من تشويه وتشويش بسبب الترجمة غير الأمينة أو الجهل ببعض خصائص التراث وأهله. فكيف نفلح؟ يحتاج الأمر إلى إعادة قراءة وإلى تنقية وإلى عقول وأقلام سودانية، فأهل مكة أدرى بشعابها.
ومن طريف جهلنا بتاريخنا ما يدور هذه الأيام في بعض المواقع الاسفيرية من حقيقة اكتشاف القمح في السودان قبل سبعة آلاف سنة.. هذا ما يكذب مقولة (القاهرة تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ) قد كان ذلك في زمان مضى. نحن نعلق آمالاً على هذه التقنيات الحديثة أن تكون من نواقل الثقافة ومن عوامل نشرها وتأصيلها وتنزيلها في واقع الناس، ولكن المضحك أن هذا الخبر الذي ضجت به الأسافير في الأيام الماضيات ذكره الدكتور هانزا الألماني في محاضرة في الخرطوم عام 1963 وذكر فيه الدوكة والكسرة والقرقريبة وآلات (العُواسة) كلها ونقله الراحل عبد الله الطيب في حقيبة الذكريات قبل عشرات السنين وكتبه محدثكم الفقير إلى الله في مقال نشر بصحيفة الخرطوم وتضمنه كتابه (من المفكرة) المنشور قبل ثماني سنوات.. ألم أقل لكِ نحن لا نقرأ؟ وهذا ما يجعلنا نحكم على الحراك الثقافي بأنه ضعيف مظهري احتفائي موجه، سرعان ما يزول أثره مثلما تختفي (فقاعات) الصابون في الهواء..
٭ كيف لنا أن نحافظ على تراثنا ونربط أجيالنا به، وفي ذات الوقت نمسك بتلابيب الحضارة ونواكب الأمم؟
المحافظة على الموروث الفكري والثقافي تكون بِتًمثُّله، وذلك لايكون إلاّ بجمعه وتوثيقه وغربلته وتمحيصه ثم درسه وتحليله ونشره وتقديمه بصورة عصرية.
ويبدأ تقديمه للناشئة منذ مرحلة مبكرة حتى يتشربوه ويكون جزءاً من تكوينهم الوجداني. الأدب بضروبه شعراً ونثراً، عامياً وفصيحاً، الأمثال والحكم والعادات والتقاليد والأعلام الذين أثروا وجوه الحياة المختلفة، والتاريخ بأحداثه وأبطاله والجغرافيا ومايعزز الانتماء والوطنية، والدين والقيم والأخلاق وكل الابتكار والإبداع الذي وصل إليه الفكر والعقل السوداني منذ أقدم العصور إلى زماننا.
وحين نطالب بالغربلة والتمحيص فإن في الذهن كثيراً من صور التشويش والتشويه التي لحقت بالموروث الفكري والثقافي جهلاً أو قصداً ... وكانت (الإنتباهة) عبر هذه الصفحة وغيرها حضوراً في محاضرات وندوات حول هذا الأمر في الأسابيع الماضية وكانت حصيلة آراء المشاركين ضرورة تكملة الجمع وإعادة القراءة والتمحيص وإعادة الكتابة ثم التحليل والدرس والنشر؛ لأن ترك هذا الموروث مزوراً ومشوشاً وغامضاً ومضطرباً ومنزوياً في الأضابير يزيد الناشئة والأجيال الحاضرة بعداً عنه، وهم معرضون عنه أصلاً للجاذبية والإغراء المتاح في الفضاء المفتوح ومايقدم فيه. ومن هنا تتولّد ضرورة العناية به وجعله من مكونات وجدان النشء ابتداءً، حتى إذا استوى عودهم صاروا يحسنون التمييز بين مارسخ في نفوسهم ومايرد عليهم ويفِد إليهم فيأخذون بالصالح ويطِّرِحون ماسواه. لاشك أننا فقراء موصوفون بالتخلَّف في أمور كثيرة محتاجون إلى ما عند غيرنا ولكنّا غير محتاجين إليه كله حتى لو دخلوا في جحر ضَبٍّ تبعناهم. ونحن في زمان الانفتاح هذا لن نستطيع أن نمنع شيئاً يرد عبر الفضاء بالقوة، وليس لنا علاج ولاحلُّ إلاّ التسلُّح من الداخل لأن النفوس إذا لم تتشرب القيم الفاضلة أضحت قابلة لِتَلَقَّف كل غث وهراء وتنطمس بذلك الهوية وتذوب في غيرها وهكذا تكون وفاة الأُمّة.
٭ تحدثت في المنابر عن إهمال يطال الأدب النبوي.. كيف لنا أن نتدارك الأمر؟ هل يمكن أن يكون في المناهج المدرسية؟
نعم أتحدث في كل سانحة عن إهمال الأدب النبوي، لأن إهماله غصة في الحلق، ولانغماسي في تذوّقه ولإحساسي الصادق بقيمته وتقديري لدوره الذي قام به في زمان كان الناس فيه أحوج ما يكونون إلى مثله. وظلّ هذا الأدب ردحاً من الزمن وقفاً على فئات بعينها لعزوف كثير من الناس عن الأدب الديني عموماً، ولضعف بعض النفوس وهوانها وانصرافها عن الجدّ إلى اللّهو، وربما كان للاستعمار ووارثي نهجه وثقافته دور أيضاً. فتحاشاه كثيرون إمّاً تزمتاً وإما جهلاً أوغفلة أو عادة. وقد عبّر أستاذ الأجيال البروفسير عبد الله الطيب عن ذلك بقوله: وربّما خيّل لبعضهم أنه ليس بشعر، إنما هو أوراد عبادة مما كان يعكلف عليه جيل الرجعية أو الماضي المنقرض، ويأبؤس للجهل ضّراراً لأقوام ؛(المرشد4/142).
نعم هو أدب رفيع سامٍ، اشتغلت به طائفة عرفت قدره فأحسنت حياطته ورعايته وما تزال، واشتغل به قوم لم يعطوه حقه وقدره وخَلَّطوا فيه، فأساءوا إليه من حيث لا يحتسبون، واتخذه قوم وسيلة للكسب فنفُّروا منه. وأعرضت عنه فئة دون أن تسبُر غوره وتعرف محتواه ومضمونه فظلموا أنفسهم وظلموه. نعم، لم يقدم هذا الأدب للناس كما كان ينبغي وبالصورة التي تبين عظمته وتكشف عن (جمالياته) وتجعل منه أدباً وفنّاً جاذباً إلاّ ومضات هنا وهناك. ولن يكون تداركه إلاّ بما ذكرناه من وسائل تدارك الموروث الفكري والثقافي عموماً، والأدب النبوي قسم من هذا الموروث بل أنفسه بلا منازع. فهو محتاج للجمع والتوثيق والتحليل والشرح والنشر والمشتغلون به محتاجون إلى التنوير والتدريب والمؤازرة. يقول الدكتور عون الشريف قاسم عليه رحمة الله (لعلّ هذه الميزة التي ينفرد بها شعراء المديح النبوي هي التي جذبت إليه قلوب المسلمين وعقولهم على مدى التاريخ لأنه يركز في وجدانهم من خلال مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم قيم الدين الذي جاء به الرسول....
وهو يدخل إلى قلوبهم من خلال النغم الشجي والصوت الرخيم الذي امتاز به معظم المنشدين لهذا الضرب من الشعر العظيم.... وكل ذلك يقتضينا اهتماماً بالغاً بجمع هذا التراث وتسجيله ونشره ودراسته دراسة علمية مستقصية لتكون نتائجه في خدمة الباحثين. مقدمة ديوان الشيخ حياتي ص7)
نعم، لابد من عودة هذا الأدب إلى مناهجنا الدراسية معززاً مكرماً من الروضة إلى الجامعة وما بعدها، وما المانع وفيه أهازيج وروائع ذات مضامين سامية تصلح لكل زمان ولكل سن، مكان بعض الغث والغثاء الذي تُحشى به عقول الناشئة.
فالمديح سنة تقريرية وفيه تعريف بالإسلام ورسوله، وهو عبادة لما فيه من توحيد الخالق ومن قطوف الفقه والعبادات والتذكرة المستمرة والدعاء والالتجاء إلى الله ورسوله وفيه إذعان لأمر الخالق بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه بركة ومدارسة للسيرة وخدمة للقرآن وعلومه وخدمة للعربية وعاء القرآن والسنة، وهو مصدر مهم من مصادر دراسة المجتمع وتاريخه وجغرافيته وعمرانه وتراثه. علاوة على مافيه من متعة الإبداع الأدبي ونشوة السماع المطرب النبيل والسمو الروحي، وهو أكبر عامل في صياغة الوجدان وما وجدت تعبيراً عن ذلك أفضل مما عبّر به أستاذنا الراحل الطيب صالح نعم الطيب صالح صاحب موسم الهجرة في حديثه عن حاج الماحي إذ يقول: (إن شعره خاصة وشعر أضرابه صاغ وجداننا ونحن أطفال نتشبث بأذيال آبائنا وأمهاتنا في حلقات (المديح) بالعشيات، قبل أن نعرف القراءة والكتابة، أو نعي شيئاً من أمور الحياة عرفنا مولد الرسول الأمين ونشأته وبعثته، وما كابد من العناء في مكة، ثم هجرته إلى المدينة حيث سطع نور الرسالة قوياً وهّاجاً. عرفنا جهاده وجهاد أصحابه وعرفناهم بأسمائهم واحداً واحداً. المعرفة انتقلت إلى قلوبنا الغضّة مباشرة، في صيغة غناء مترعِ بالحبّ والشجّن ((مختارات الطيب صالح 3/51+ مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ص27).
وكان عليه الرحمة من المتابعين لبرنامج (في رحاب الحبيب) وارسل رسالة ثمينة إلى القائمين على التلفزيون القومي ألا يحرموا المشاهد من هذا من هذا البرنامج نقلها لهم الأستاذ خالد الأعيسر له التحية.
وقد أمَّن البروفسير حسن مكي بعد ثناء كبير على منهج التصّوف وأثره في السودان، أمّن على حديث الدكتور عبد اللطيف سعيد والدكتور البوني وأيدهما في قولهما) إن الدين الإسلامي كما هو معلوم دخل السودان محمولاً على أدوات الصوفية ولعلّ من أهمها (المديح ....)) مدح الرسول ص 28).
فعودة الأدب النبوي فصيحاً وعامياً إلى المناهج الدراسية واجبة، وقد بدأت بحمد الله قبل سنوات في جامعة الخرطوم، ثم في جامعة الرباط حيث يتولى محدثكم تدريس هذا الأدب على مستوى الدراسات العليا وفي مرحلة البكالريوس مضمناً في مقرر (الأدب السوداني) وهو أنفس فروع هذا الأدب بلاريب. ومن هذا المنبر نجدد الدعوة ونرفع من وتيرة التنبيه إلى قيام مؤتمر أو ورشة تقدم أوراقاً علمية تدعم هذا الاتجاه، ونناشد الإخوة في إدارة المناهج أن يلتفتوا إلى هذا النداء النبيل وفيهم من نعرف أنه ممن نبت و(تجوّن) في تربة المديح النبوي المباركة. ونذكرهم بصرخة عبد الله الطيب في المجمع اللغوي بالقاهرة قبل نحو أربعين سنة (1976) حيث قال: (ولكن الَّذي يحز في نفسي واخذه على المشتغلين في حقل التعليم أنَّ هذا اللون من الشعر (المدح النبوي) يجد سوقاً كاسدة في المدارس التي تنتشر في أنحاء مدننا... فلينظر أيٌّ منا مثلاً في كتاب من كتب تاريخ الأدب كالوجيز والوسيط وهلم جرا فسيجد أنها خالية من كل إشارة إلى شعر المديح النبوي، ولا شك أنَّ من الأهمية بمكان أن يشب الناشئة الَّذين يتلقون العلم في المدارس على الاهتمام بهذا اللون من ألوان الشعر العربي، فهم الَّذين سيقودون الحركة الثقافية في بلادهم بعد بضع سنين، ولا أقل من أن ينشأوا وهم يدركون مكانة هذا الفن في تراثنا. ولهذا ينبغي أن ننفض عنه غبار الإهمال وأن ندفعه في ساحة الأدب الواسعة بدلاً من أن نتركه مزوياًّ هكذا في مكان قصيّ من تاريخ أدبنا، مكان لا يرتاده إلاَّ المتصوفة والعبَّاد فحسب (مدح الرسول صلى الله عليه وسلم) ولا إضافة.
٭ ماذا تقول في جائزة البرعي في الأدب النبوي وقد كنت رئيساً لمجلس أمنائها؟
جائزة الشيخ البرعي في الأدب النبوي فكرة رائدة من أفكار الشيخ الأستاذ علي عثمان محمد طه وقد كان صاحب يد طُولَى على الثقافة والمشتغلين بها، فرأى أنَّ تطور الذكرى السنوية التي كانت تقيمها مؤسسة أروقة إلى جائزة عالمية تخدم هذا الأدب النبيل، فتولِّت رئاسة الجمهورية رعايتها والتزمت الشركة السودانية للاتصالات (سوداني) بتحمل قيمة الجوائز (مئة ألف دولار). وأوكلت أمانتها العامة لمؤسسة أروقة ووجد المجلس تشجيعاً وفهماً راقياً لدور الأدب النبوي ورسالته من النائب الأول الفريق بكري حسن صالح فانطلقت دورتها الأولى (2013م 2014م) وكانت دورة ناجحة بكل المقاييس وشارك في منافساتها أكثر من ثلاثمائة شاعر ودارس ومترجم في فروعها الأربعة، وحركت ساحة البحث والتأليف ونشرت مجموعة إصدارات فيها ديوانان لأقدم شعراء المديح النبوي وهما الشيخ علي ود حلبيب والشيخ قدورة لم يريا النور من قبل. وفيها دراستان أحسب أنهما مفيدتان إحداهما كتاب (مدح الرسول صلى الله عليه وسلم) للبروفسير عبد الله الطيب وكتاب عن الشيخ البرعي الذي حملت الجائزة اسمه. علاوة على ديوان الشيخ ود أب شريعة والشيخ ود شبو والشيخ هاشم الشيخ عبد المحمود. ونعول على هذه الجائزة كثيراً في خدمة هذا الأدب والنهوض به ووضعه في موضعه الطبيعي اللائق به.
وتشير ديباجة سؤالك أختي الكريمة إلى أن شخصي الضعيف كان رئيساً لمجلس أمناء هذه الجائزة وهذه حقيقة؛ ولكن لعلم المهتمين والمتابعين لم أعد رئيساً ولا عضواً في مجلس أمنائها وقد تكوَن لها مجلس جديد، كما أفادنا أمينها العام بالهاتف ولم نتلق مكتوباً رسمياً بذلك حتى تاريخ الإجابة على سؤالكم هذا. وهو أمر مستغرب في جائزة تتبع لقمة الهرم السيادي في البلاد.. لكن ذلك واقتداء بخلق الحبيب صلى الله عليه وسلم وإيماناً برسالتنا لن يمنعنا أن نظل إن شاء الله عضداً وسنداً لها ولكل ما يخدم جناب الحبيب صلى الله عليه وسلم في أي منبر وموقع يتسنى لنا ما عشنا راجين لهم ولها دوام الازدهار وعلى الله قصد السبيل..
وختاماً أشكر هذه الصحيفة الرائدة وأحيي صفحة (نجوع) السباقة ومحررتها الهميمة ومعاونيها الذين نجدهم دائماً بيننا في ساحات العلم والفكر والثقافة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.