{ زيارة رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير إلى جوبا عاصمة دولة جنوب السودان ولقاؤه فيها بالرئيس سلفا كير ووزير الخارجية نيال دينق لتجديد التزام بلاده بالعمل على تجاوز أزمة التحديات التي تواجه حكومة جوبا ما بعد اتفاقية السلام الشامل كما أشير في سياق الخبر، هذه الزيارة بما تحمله من أجندة لمعالجة التحديات تتزامن مع وصول فرق خاصة من المخابرات الأمريكية ونظيرتها الإسرائيلية «الموساد» إلى جوبا لتشرف على تدريب الأجهزة الأمنية في الجنوب على طريقة اغتيالات العناصر الناشطة ضد الحكومة، ومعلوم أن هذه العناصر الثائرة ضد حكومة الحركة الشعبية كانت جزءًا من الجيش الشعبي التابع لهذه الحركة ولابد أنها أو بعضها يكون قد خضع لتدريبات عسكرية ذات مستوى عالٍ أيام التمرد ضد الخرطوم في إسرائيل أو كوبا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية أو كينيا أو أوغندا تحت إشراف أجنبي.. لكن هل تحتاج حكومة جوبا إلى مثل هذا التدريب لكي تتجاوز أزمة التمرد ضدها أم أنها تحتاج لبعض السياسات الاجتماعية باعتبارها دولة ذات مجتمع قبلي؟! إن ثمار ما ستقوم به مثل هذه الفرق المخابراتية الأمريكية الصهيونية ستكون مُرة، لأنها ستأتي بنتائج عكسية في دولة مازال العمل المنهجي للاستقطاب فيها يرتكز على البُعد القبلي، ويعتمد على النزعة الاجتماعية القبلية، لكن ممكن أن يكون برنامج هذه الفرق المخابراتية في دولة الجنوب غطاءً للتحايل على الحكومة هناك لنيل ما تريد دولتاهما من الدولة الجديدة المضطربة.. ومما تريده الدولتان اللتان بعثتا بفرق المخابرات هو إعانة الجيش الشعبي على مواصلة الاعتداءات في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق اللتين تشكلان جزءاً كبيراً من جنوب السودان الجديد بعد الانفصال خاصة بعد الهزائم التي ألحقتها بمنسوبيه في الولايتين القوات المسلحة السودانية، لتحقق انتصارات كبيرة في وقت وجيز ضد ذيول الحركة الشعبية استحقت بها من الحكومة السودانية في الخرطوم أن توجه الشعب يوم غد الأربعاء بالوقوف دقيقة واحدة تحية لقواته المسلحة. يمكن أن تظن حكومة جوبا أن فرق المخابرات الأجنبية سيكون ما تقدمه لها هو القشة التي ستقصم ظهر التمرد، وببساطة يمكن أن تنطلي عليها هذه الخدعة اليهودية، فاليهود هم أمهر من يخدم قضية باطلة وأذكى من يقدم المؤامرة على شكل أنها عون ومساعدة، وهذا الذكاء اليهودي الخارق يقابله في جوبا غباء كبير وسذاجة يكاد أن يسيل معها اللعاب، إن مجرد الإعلان عن اغتيال شخصية معروفة في صفوف التمرد يعني مزيداً من التحمس.. فقبائل الجنوب ليست مثل حزب البعث العراقي تنتهي بانتهاء قادته.. قبائل الجنوب يزيد جذوة صراعها التعرض لزعمائها. أي أن فرق المخابرات سيكون دورها الذي لم تعِهِ حكومة الحركة الشعبية هو صب الزيت على النار. لكن المياه التي يمكن أن تصب على نار الصراع هناك هو أن تحترم حكومة جوبا حقوق القبائل الجنوبية المختلفة، فإن احترام الحقوق يبقى صباً للماء على النار لكن استقدام الفرق التابعة للمخابرات الأمريكية واليهودية بالطبع سيبقى صباً للزيت على النار.. والثوار في الجنوب ليسوا حزباً واحداً أو اثنين حتى يسهل القضاء عليهم بواسطة الموساد والسي آي إيه، وإنما هم كل القبائل بما فيها بعض فروع الدينكا.الآن كل جنوبي لا ينتمي إلى الحركة الشعبية أو انشق أو انسلخ منها يبقى ثائراً.. وعلى توني بلير أن يفهم أن تحديات ما بعد اتفاق السلام في الجنوب هي حقوق المواطن الجنوبي، وهي تورط الحركة الشعبية في مواصلة الحرب في السودان بواجهات شمالية تنتمي إليها مثل عقار والحلو، وهي محاولة حسم الأمور على طريقة نظام البعث السوري بواسطة فرق السي آي إيه والموساد. أبو الحسن وأبو الحسن قال زعيم تيار رفض المشاركة في الحكومة داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل السيد أبو الحسن فرح قال بأن الميرغني وافق على المشاركة في السلطة لثلاثة أسباب هي أن إمكانات الحزب لا تسمح بالوقوف في خندق المعارضة، وإن هناك دولاً خليجية أصرّت على أن يدخل الميرغني مشاركاً في حكومة المؤتمر الوطني لأن هناك مداً شيعياً يحتاج إلى مواجهة في المنطقة.. وأن المؤتمر الوطني مارس ضغطاً على الميرغني بوسائل عدة. وقال أبو الحسن إنهم فندوا ادعاء أن الحزب ليست له إمكانات للوقوف في خندق المعارضة.. وأن مسألة المد الشيعي منطوق بعيد عن الواقع الموجود.. وأن أكبر أبناء الميرغني وهو الحسن الميرغني رفض المشاركة بشدة. والغريب أن «أبو الحسن فرح» لم يشر إلى سبب رابع يتحدث عن جمع الصف الوطني من خلال المشاركة في سلطة المؤتمر الوطني المنتخبة لتكون مثل حكومة الوفاق عام 1989م وقبل 30 يونيو من نفس العام بين حزب الأمة والاتحادي والجبهة الإسلامية وكانت تمثل قواعدهم جميعاً الغالبية العظمى ومازالت إذا سمينا الجبهة الإسلامية الآن المؤتمر الوطني الذي دخل في عضويته عدد كبير من قواعد الأحزاب الثلاثة آنفة الذكر.. ولننظر هنا إلى المؤتمر الوطني في مرحلة ما بعد قرارات الرابع من رمضان مرحلة التحول الديمقراطي طوعاً أو كرهاً، المهم التحول الديمقراطي. فهذا هو السبب الجدير بأن ينقل الميرغني من رمزية معارضة يقودها مجموعة الترابي وأصدقاء علي محمود حسنين وعصابة ياسر عرمان إلى رمزية «مشاركة وطنية» تبيض صفحته التاريخية فالتاريخ لا يرحم ولم يرحم من عادوا إلى السودان على ظهر الباخرة «مليك» البريطانية.. ولم يرحم عن وجود مصنع كيماوي في المسعودية بعد قصف مصنع الشفاء وفي منطقة الأحامدة ببحري. إن شح إمكانات الحزب لا يمكن أن تكون من بين أسباب مشاركته في الحكم، وكذلك قضية المد الشيعي، وضغوط الحزب الحاكم.. المشاركة لا يمكن أن تكون مثمرة للحزب في اتجاه توفير إمكانات تعينه مستقبلاً على المنافسة الانتخابية، لكن يمكن أن تكون مثمرة في اتجاه أن تتوحد كل أجنحة الحزب لتوحيد قواعده ليغدو بعد ذلك مستعداً لمنافسة انتخابية مستقبلية تعيد إليه على الأقل مستواه الانتخابي في عام 1986م، حيث كان ترتيبه الثاني.. أما قضية المد الشيعي فإن مواجهتها بالفعل كما يرى أبو الحسن لا تكون بمشاركة حزبه ما دام أن هذا الباب «الذي يجيب الريح» يفتحه من هو أقوى من حزب الميرغني. أما ضغوط الحزب الحاكم على الميرغني فهي تبقى ضغوطاً وطنية حميدة، لا غضاضة فيها. ومن حق الحزب الحاكم أن يدعو القوى السياسية للمشاركة، ومن حق الأخيرة أن ترفض، لكن يكون الرفض لصالح المصلحة الوطنية العليا، لا للكيد السياسي فحسب. { ثم ينبغي ألّا تكون أي معارضة داخل أي حزب للمشاركة في السلطة بسبب عدم استيعاب من يعارضون في التشكيلة الحكومية، فإن هذا الأمر ينفضح بسهولة من خلال تقديم مبررات غير موضوعية لعدم المشاركة. ونتمنى أن تصادف أسبابًا منطقية لرفض البعض المشاركة في الحكومة بخلاف أنها تريد مصدّات لرياح الربيع العربي بالمشاركة.