هذا المجلس كان واحداً من الاجتهادات الذكية جداً والقوية للسيد الدكتور عيسى بشرى حينما كان يقود زمام الأمور في ولاية جنوب كردفان، واذكر أن فكرة قيام مجلس للحكماء أثيرت في لقاء عقده نائب الوالي وقتها د. عيسى مع قيادات من جنوب كردفان عقب التوقيع على اتفاقية نيفاشا عام 2005م التي بمقتضاها ذهب حتى الوالي للحركة الشعبية قطاع جنوب كردفان، وأصبح خميس جلاب الوالي وعيسى بشري نائباً له عن المؤتمر الوطني، لكن كان هناك تجاذب للفعل السياسي السالب من قيادات جنوب كردفان وخاصة من عضوية المؤتمر الوطني الذين اعترضوا مسار الفكرة وتنفيذها، حتى وصل مولانا أحمد هارون لحكم الولاية، وفي نهايات عام 2009م ذهب هارون بفكرته للرئيس عمر البشير ونائبه علي عثمان، ووجد منهم الدعم والترحيب، وقام مجلس لحكماء جنوب كردفان بعضوية تربو عن المائة ونالت الحركة الشعبية 30% من العضوية، وضم المجلس كل أصحاب التجربة والخبرات من قيادات الولاية من كبار التنفيذيين والرياضيين والصحافيين والقضاة والمحامين وزعامات الإدارة الأهلية والفنانين وغيرهم من قيادات جنوب كردفان، وجمع بين أجيال مختلفة، وكانت المهمة الأساسية له أن ينظر في القضايا المطروحة ويناقشها ويرفع توصيات بشأنها لحكومة مولانا هارون. وتأسس المجلس بأمانة عامة وخمس لجان هي لجنة الأرض والنسيج الاجتماعي والتنمية المستدامة المشورة الشعبية والانتخابات. وعقد مجلس الحكماء اجتماعه الأول في مهرجان فخيم بقاعة الصداقة بالخرطوم تم الإعداد له بصورة جيدة، لكن اللقاء المفتاحي لهذا المجلس تم في مدينة كاودا، وهي العاصمة السياسية والتاريخية للحركة الشعبية، وتضم حالياً رفات مؤسس الحركة الشعبية يوسف كوة الذي توفي قبل التوقيع على اتفاقية نيفاشا متأثراً بمرض السرطان. وكانت كاودا ولوقت قريب منطقة مقفولة تسيطر عليها الحركة لوحدها ممنوع الاقتراب منها أو التصوير، وكان سكانها بمثابة الدروع البشرية للحركة، واعتقلتهم لما يقارب ال 20 سنة حتى تباعدت ملامحهم عن السكان الأصليين لجبال النوبة. لهذا كله نقول إن اجتماع أمانة الحكماء بكاودا كان اجتماعاً مختلفاً أسس وقتها لقدر من الشراكة مع الحركة الشعبية، ومن ثماره اليوم مدرسة شيخ علي الثانوية، وهذه مدرسة تبرع بها نائب الرئيس الأستاذ علي عثمان أثناء زيارته لكاودا على شرف انعقاد مجلس الحكماء، ومعه الرئيس الحالي لدولة الجنوب سلفا كير ميارديت، ومن ثمار اجتماع كاودا مبنى المحلية ومركز الشباب.. لكن السؤال ما هو وضع مجلس الحكماء اليوم بعد مرر أكثر من عامين على تأسيسه وخروج أعضاء الحركة الشعبية منه؟ ماذا فعل هذا المجلس والحاجة لدوره اليوم تتعاظم أكثر مما مضى، فأهل جنوب كردفان في أشد الحاجة للوئام الاجتماعي، والمجلس بكل أسف غائب ومشتت ولم نسمع له صوتاً ولم نر له مبادرة طيلة أيام الحرب الأخيرة في جنوب كردفان. وكنا نريده ذراعاً أساسية فى عملية التفاوض مع الحركة الشعبية، لأن الحرب مهما تمادت لا بد من إيقافها، والذين يوقفون الحرب هم الحكماء النافذون في المجتمع، القادرون على انتاج المبادرات وتسويقها. وهذا كنا نحسبه وننتظره من مجلس الحكماء. سيدي الوالي مولانا ألا توافقني أن الوقت قد حان لإعادة النظر في هذا المجلس، فنحن لا ندري حاله اليوم، أهو في حالة شلل دماغي أم ماذا؟ فالأوضاع في المنطقة تتطلب توفيق أوضاعه بما يخدم المصلحة العامة لإنسان الولاية المتمثلة في الاستقرار أولاً. كما أن وقت التغيير قد دنا ولا بد من دور فاعل لهذا المجلس بإدارة رشيقة وعضوية محدودة وإمكانيات كافية.. وألا فليذهب حتى لا يصير صندوق إعاشة مصغراً للمعاشيين والناشطين السياسيين.