* يحسب البعضبأن الرأى الصائب يجب الاستماع إليه دون أدنى تردد حتى وإن صدر من جهة قاسية لا تعرف سوى الغلظة والفظاظة، وتعتمد على أسلوب التعنيف والإكراه، وياليت الذين يتبعون مثل تلك السبل يعلمون بأن الرسالة مهما كانت مضامينها صحيحة ولو بنسبة 100% ،فإنها ستعجز عن وجود من يستقبلها بالاستحسان والقبول إذا لم تتم صياغتها وإرسالها بالشكل اللطيف الذي لا يزعج السامع، كما أن مرسل هذه الرسالة، عليه أن يدرك أن المتلقين من حوله لما يود بثه والامتثال إليه من قبل السامعين ، لا يلقون اهتماماًً بما يقول إلا إذا كان يقع في قلوبهم موقعاً للمحبة والإعزاز، لذلك فإن السماحة وعذوبة الأسلوب تأتى في الدرجة الأولى قبل التركيز على المضمون وصحته. * ودعوتنا هنا نوجهها لأولئك الذين يركبون الصعب باعتبار أن نهج الإكراه والتجهم في وجه الناس هو الكفيل برد المخطئين عن أخطائهم وتصحيح المفاهيم لتستقيم على الجادة. * وتحضرنى أمثلة كثيرة من وحي التجارب الشخصية، بأن أى رسالة أو مادة علمية إن لم يُعد من أجل استيعابها الطالب بحبه وشغفه لها، لأصبح أمر تفهمه وإدراكه لمراميها، عقبة تعجز عن إزالتها محاولات الأيام وقدرات المعلمين. * وأذكر أننى كنت في المدرسة الابتدائية لا أستوعب مادة الرياضيات، ذلك لأن سوء الطالع، قد جعلنى أكره ذلك الأستاذ الذى يدرس تلك المادة بسبب فظاظته وعدم تقديره لصغر سننا، وفقر عقولنا بحسب أن النمو العقلى للطفل لا يستوعب جرعات التعليم إلا بمعيار التدرج الذى يعتمد على خفة الجرعات التعليمية بما يتناسب وعقول الأطفال * والأمر الغريب، عندما انتقلنا من المرحلة الإبتدائية إلى المتوسطة في تلك الأيام، كانت قد تشكلت عقيدتى بأن مادة الرياضيات، ليس بينى وبينها رابطة، لكنى اكتشفت منذ السنة الأولى بالمرحلة المتوسطة أننى قد وجدت الطريق سالكاً لفهم مادة الرياضيات، وذلك بسبب الأسلوب المحبب الذى أتبعه أستاذنا في عرض المادة وطريقة تعامله معنا. * وكان مدهشاً أن أتحصل على أعلى درجة في أول امتحان للرياضيات، مما جعل الطلاب جميعاً ومعهم الأستاذ يكافئونني بعاصفة من التصفيق عندما أحرزت أعلى الدرجات المتحصَّلة من قبل الطلاب. * ومنذ ذلك الحين تعلمت درساً، جعلته هو مبدئى في كل فكرة ورأي، بأن الفكرة إذا كانت صائبة، ويراد لها الذيوع والانتشار وجموع الأتباع والمؤيدين، لابدَّ أن يحميها رجالٌ لديهم القدرة على جذب النِّاس بالاستحواذ على القلوب مما يجعلها مطية نحو القبول. * وياليت دعاة الإسلام في هذا الزمان، اتبعوا طريق السماحة واللين وتحبيب الناس فيهم، قبل أن يطلقوا دعواتهم من أعلى المنابر بابتدار الفتاوى لمختلف المشكلات، كأنما أن النَّاس عليهم أن يسيروا كما تسير القطارات على خطوط السكك الحديد. * وما كان الرفق في شيء إلا زانه، ومانُزع من شيء إلا شانه، ورحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى. * والدعوة بالحسنى والمجادلة بها، هي أقصر الطرق لنشر الدعوة، ولا يتيسر القبول بها إلا إذا توافر وشاع الحب في شخص من يتبناها.