قطعاً أن لكل زمان حدث بعينه يختلف عما قبله وبعده، لكن تبقى بصمة البقاء حاضرة طالما هنالك معاصرة تجسد ماسبق، ففي مجالات الثقافة والإبداع بأشكالها المختلفة تمرحلت أحداثها التي مرت عبر العصور منها ما كان رصيناً متيناً ليضحى مرجعاً للأجيال المتعاقبة، إذن كيف كانت تسير الحركة الإبداعية قبل اليوم وماهي التوصيات التي يمكن أن تخلق واقعًا إبداعيًا أفضل خلال هذه السنة والسنوات المُرتقبة؟ سيما أننا نعلم أن الساحة الإبداعية اليوم بحاجة إلى إعادة ترميم.. «نجوع» وقفت لدى أهل الشأن باعتبارهم شواهد من قبلنا حتى يقرأوا لنا الواقع الإبداعي قبل اليوم.. تقليدية وسائل التوثيق الدكتور عبد الرحمن علي المدير العام للهيئة العامة للآثار وأمين أمانة المتاحف تحدث ل «نجوع» عن مسيرة التوثيق والتسجيل قديماً حيث قال: إن التوثيق كان يسير قبل اليوم بوسائل تقليدية مثل ورق البردي والواح الأخشاب واُستخدم الورق في التدوين والتسجيل، ومؤخراً عندما ظهرت الوسائل التقنية الحديثة حل التوثيق الإلكتروني محل تلك الأدوات والوثائق ويواصل حديثه أننا مازلنا في حاجة إلى التوثيق الورقي والإلكتروني حتى تعم الوسائل التقنية الحديثة كل أنحاء البلد إلا أن هذه التقنية لم تزل في مرحلتها الأولى.. ولخص عبد الرحمن توصياته وأمانيه خلال هذا العام في أن تعم التقنية الحديثة خاصة في الجامعات والمعاهد العليا وإدخال الحاسوب في تدريس الطلاب بالمدارس، وزاد على ذلك أنه يجب أن تكون لدينا خطة مستقبلية تمكننا من مواكبة العالم؛ لأن لدينا كم هائل من الوثائق والمخطوطات في ظل امتلاك السودان لتراث شعبي شفاهي بصورة كبيرة بجانب القطع الأثرية التي هي أيضاً في حاجة إلى التوثيق الإلكتروني حتى يتم نشرها بصورة عامة لكي تتمكن من المساهمة في تعريف الشعب بالتراث الوطني وتثقيفه وربطه بالهوية السودانية. مفارقات العلم والمعلومات دكتور إسماعيل الحاج موسى قال في حديثه ل «نجوع»: إن لكل زمان طابع خاص حيث إن البيئة المحيطة بالإنسان هي التي تؤثر على الثقافة والإبداع وغيرهما، وكشف عن أن الجيل السابق كان يستقي ثقافته من الإطلاع المستمر على الكتب إلا أن اليوم تعددت وسائل المعرفة من إنترنت وفيس بوك وما إلى ذلك ولهذا الأمر إيجابيات وسلبيات في آنٍ واحد لخصه الحاج موسى في كون الجيل الحالي يمتلك معلومات ثرة دون أن يكتسب الفرد منهم علمًا بعكس الكتاب الذي يعطي علماً غزيرًا.. وأضاف أن الشعراء قديمًا كانت كلماتهم رصينة تتناسب مع قيم المجتمع إلا أن اليوم دخلت أشياء حديثة.. وختم حديثه بأن كل العمل الثقافي والإبداعي تغير من تشكيل وشعر وقصة قصيرة وما إلى ذلك إلا أنه ووسط هذا الركام من الخلل توجد أشياء جميلة لا تخلو من القيم الإبداعية. تطلع معرفي الأستاذ التشكيلي شبرين أكد في حديثه أن العمل التشكيلي ظل ينطلق انطلاقة جيدة منذ فترة على المستوى الفردي كما أن المستقبل واعد جدًا بالنسبة للفنانين التشكيليين الذين يمتلكون رؤى إبداعية جيدة بجانب وصفه للسودان بأنه بخير وأن تراثه وقيمه موجودة إلى اليوم والسبب فيها رسوخ الإسلام عند أهل السودان تربيةً وعلمًا، وأردف شبرين أن الشباب في الخمسينيات اهتم بالتطلع إلى المعرفة الإسلامية الصحيحة.. ونتمنى أن تعود المدارس إلى مجد الطلاب الجميل والتصور الأفضل لحياة ثقافية متماسكة، وتمنى شبرين أن يتمدد العمل الثقافي خلال هذا العام وأن يكون برنامج العمل فيه تطبيقي عملي. بروفيسور سليمان يحيى محمد أستاذ الفلكلور بجامعة السودان قال: إننا إذا اعتبرنا أن الفلكلور يعني ثقافة الناس وكل ما يعيشونه في حياتهم فبالتالي الاهتمام بالثقافة إنما هو اهتمام بالإنسان نفسه في كافة مجالات الحياة ومن ثمّ الاعتماد على هذه المجالات تمكن الناس من نجاح المشروعات والتنمية التي يكون في الأساس غرضها الإنسان، يمكن جني ثمارها في أسرع وقت ممكن وبأحسن صورة، وكشف بروف سليمان عن عدم وجود اهتمام بالثقافة في الزمن السابق وفقاً لفلسفة المستعمر الذي كان يسعى لعزل الإنسان المتعلم من مجتمعه حتى لا يؤثر فيه إيجابياً ويحسب سلبياً ضد المستعمر، وبالتالي الدوائر المُناط بها الاهتمام بالثقافة وتنميتها كانت تخضع لتأثير هذا الرأي الاستعماري؛ ولذا أُهملت الثقافة والفلكلور، لكن بعد قيام معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية وإنشاء قسم الفلكلور وتدريسه كعلم بدأ يساهم خريجو هذا المعهد في خلق الاهتمام بالثقافة والفلكلور وذلك من خلال دراساتهم وبحوثهم وأحاديثهم سواء كانت مسموعة أو مكتوبة، وخير إنجاز في هذا المجال وزارة التعليم العالي التي طلبت جزءًا من متطلبات الأكاديمية التي طالبت بتدريسها في كل المؤسسات الجامعية وهي ما يتعلق بالدراسات السودانية أو الثقافة السودانية أو كتابات سودانية أو مجتمع سوداني وفي مجمله هذا يعني تدريس الفلكلور. وختم بروف سليمان حديثه بأن المطلوب هو اشراك الفلكلوريين المتخصصين في وضع هذه المناهج وطريقة تدريسها والمساهمة في وضع قانون الملكية الفكرية للفلكلور في السودان.