شغلت قضية شحنة السكر البالغة 33 ألف طن الرأي العام في الأيام الماضية والتي قامت باستيرادها شركة السكر السودانية والتي بلغ نصيبها 21% وشركة ساريا 7% منذ يونيو الماضي من دولة الهند، واكتنف القضية بعض الغموض وشيء من التكهنات منذ أن رست سفينتها على شواطئ مدينة بورتسودان وذلك عقب إرسال لجنة تفتيشية من قبَل الهيئة القومية للمواصفات تكوَّنت من علماء ومختصين في المجال على رأسهم د. حسن مضوي والذي أكد في عدة لقاءات أن الشحنة ومن النظرة الأولى تأكد عدم مطابقتها للمواصفات، حيت ذكر أن نمو الفطريات كان بشكل واضح على الشحنة التي وزعت على 13 مخزنًا بجانب كميات كبيرة من الشحنة أصابها البلل مما يؤكد توغل المياه إلى أكبر عدد من الجوالات إضافة إلى عدم وضوح الكتابة وهو سبب قوي لإعادة الشحنة لدولة المنشأ وعدم السماح بدخولها الأسواق، بالإضافة لرائحة التخمر الواضحة للعيان الأمر الذي قاد اللجنة إلى إعداد تقرير ورفعه لرئيس مجلس إدارة الهيئة دون اللجوء إلى تحليل مخبري، وفي مخاطبته لملتقى المستهلك مطلع الأسبوع الحالي شكك مضوي في صحة ما ذكره بيان لجنة المواصفات عن الشحنة، وقال: من الصعوبة بمكان أن يتم فرز 33 ألف طن فرزًا جيدًا لمعرفة الرديء منها والجيد مؤكدًا عدم اطمئنانه لأن تكون الجنة الرابعة التي شكلتها الهيئة والتي مكثت في بورتسودان زهاء الشهر قامت بفرز الشحنة «جوال جوال»، وتابع في حديثه أن الشحنة التي تعرَّضت للجفاف فمن المؤكد أنها اختلطت بمياه البحر التي تتركز فيها العديد من المعادن كالرصاص الذي يؤدي بدوره للإصابة بمرض السرطان والفشل الكلوي، بجانب أن السفينة التي حملت الشحنة إلى شواطئ السودان كانت غير مطابقة للمواصفات إذ يزيد عمرها عن الأربعين عامًا، مرجحًا أن تكون السبب الرئيس في تلف السكر، بجانب عدم اكتمال إجراءات التأمين، وكشف عن تعمد أصحاب الشركات إعاقة أعمال اللجنة ورفضهم التوقيع على التقرير، وبالنظر إلى قانونية تشكيل لجنة أخرى وعدم اعتماد التقرير الأول فإن قانون المواصفات ينص على إعطاء حق صاحب السلعة الاستئناف لمرة واحدة بما يختص بقرار اللجنة إلا أن ما حدث من تعدد اللجان المشكَّلة حول شحنة السلعة التي قبعت بالمنطقة الحرة ما يزيد عن 7 أشهر وصفه البعض بالبدعة وجهل القائمين على أمر المواصفات بقوانين التفتيش حيث شكلت أربع لجان بحثت وتقصت في شأن الشحنة لتخرج الأخيرة بمطابقتها للمواصفات عدا 21% منها الأمر الذي أثار ريبة في نفوس المراقبين وذهب بعضهم إلى أن في الأمر أيدٍ سياسية خفية تدخلت في القضية واتهام الدولة بعدم تطبيق المعايير الدولية للتفتيش والالتزام بالقوانين لا سيما بعد أن خرج قرار لجنة الفرز الثانية الذي أثبت تلف حوالى 42% من السكر بيد أن الجمعية السودانية لحماية المستهلك طالبت رئاسة الجمهورية بمنع دخولها للأسواق بغرض حماية المستهلك. إن قرار لجنة الفرز الثانية القاضي بتلف 42% من الشحنة كان كفيلاً برجوع السكر لدولة المنشأ «وإعدامه» حرصًا على سلامة المواطن وعملية إنزاله في المنطقة الحرة كان فيه تجاوز قانوني واضح في ظل وجود «تقريرين يثبتان» عدم صلاحيتها الأمر الذي يظهر جليًا تدخل أجهزة الرقابة حول القرارات الفنية وعدم ثقتها التامة في علمائها أهل الاختصاص الذي ينفي دور الهيئة الإشرافي المتعارف عليه إلى التنفيذي بجانب السماح لأصحاب الشأن بالمشاركة في القرار مما يدعو لطرح سؤال هل يجوز للطرف صاحب الحق أن يستعين بجهات خارجية كما فعلت شركة السكر السودانية على خلفية ما جاءت به الزميلة (الوطن) الاستعانة بمساح دولي لينقذها من قرارات اللجان التي تصب في الاتجاه المعاكس لمصالحها؟ وهنالك عدة أسئلة حائرة تبحث عن إجابة.