نشرت جريدة الشرق القطرية الصادرة صباح اليوم السبت مقالا خاص للدكتور ياسر محجوب الحسين حيث جرى فيه مهاجمة زيارة الرئيس عمر البشير الى القاهرة مؤخرا بالاضافة الى دعوة الرئيس السوداني بالتنحي طوعيا وفق متابعات موقع المشهد السوداني . ووصف كاتب المقال الرئيس السوداني بالرئيس المضطرب كما سرد أسباب غير اقتصادية لزيارة البشير الى مصر وأشار المقال الى ان مايثير القلق في السودان هو عدم اكتراث البشير بطرح الحلول السياسية بدلا عن الحلول الأمنية وقمع المتظاهرين . وأضاف الكاتب ان الواقع في السودان قد تغير وقد يصبح التنحي الطوعي أمراً غير متاح خلال الأيام المقبلة وان الحل حاليا ان يتم إقناع البشير بالتنحي طوعيا والوعد بعدم الترشح في الانتخابات القادمة . المشهد السوداني يعيد نشر المقال المنشور اليوم السبت في الصحيفة القطرية . ماذا قدم السيسي للبشير في القاهرة؟ كتب : د. ياسر محجوب الحسين / جريدة الشرق القطرية الأزمة السياسية الحالية في السودان بواعثها اقتصادية؛ فما الذي دعا الرئيس البشير لزيارة مصر الأسبوع الماضي؟ فالحالة الاقتصادية في مصر من بعض حال السودان، فالسيسي لا خيل عنده يُهديها ولا مالُ، ومع ذلك لا يبدو أن النُطق أسعد حال البشير المطوق بالاحتجاجات الجماهيرية المستمرة منذ أكثر من 40 يوما. ومثلما يشعر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قرارة نفسه بالرفض الجماهيري له، يجب أن يلازم البشير ذات الشعور. خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للقاهرة والتي أعقبت زيارة البشير بساعات، رد السيسي على سؤال أحد الصحفيين الفرنسيين منفعلا في المؤتمر الصجفي المشترك مع ماكرون: «أنا هنا بإرادة مصرية، ولو صارت غير موجودة سأتخلى عن موقعي فورًا». وردد البشير كثيرا أنه إذا طلب منه الشعب أن يغادر فسوف يغادر فورا لكن كليهما لن يفعلا لا سيما البشير عند محك الاحتجاجات الحالية التي عبرت وفق المراقبين عن استفتاء سالب على رئاسته. وشكل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل جمهور المواطنين عقدة لدى كل من البشير والسيسي؛ ففيما قال البشير في لقاء جماهيري عقب عودته لبلاده: «إن تغيير الحكومة في السودان لن يتم عبر الفيسبوك والواتساب». كان السيسي قد قال بحضور ماكرون ردا على سؤال حول اعتقال النشطاء والمدونين: إن «مصر لن تبنى بالمدونين». وحاول البشير أن يبعث رسالة تخويف لنظام السيسي حين قال في مؤتمر صحفي مشترك: إن «هناك محاولات لاستنساخ ما يسمى بالربيع العربي في السودان» وهذا يعني بالضرورة أنه ضد الربيع العربي ونسي أنه قال في مارس 2015 خلال لقاء له مع فضائية دريم: «دعمنا المجموعات المسلحة في مصراتة وكفرة وبنغازي والجبل الغربي وزنتان وسبها». إن البشير لم يأت لمصر وهو يتوقع دعما اقتصاديا، لكنه جاء يطلب الدعم والمساندة السياسية وربما مزيدا من التعاون المخابراتي، فقد اصطحب معه مدير المخابرات السوداني صلاح قوش. وما قاله السيسي المضطرب للبشير المضطرب كذلك صراحة يظل حديث الغرف المغلقة، بيد أن صحيفة الأهرام المصرية المعبرة بقوة عن النظام المصري قالت في افتتاحيتها غداة زيارة البشير إن مصر «تقف على مسافة واحدة بين الأطراف السودانية» أي أن حكومة البشير بالنسبة اليها ليست إلا طرفا من الأطراف السودانية، وتحدثت الصحيفة عن «سبل تلبية المطالب المشروعة للمواطنين» و»ضرورة الحوار الهادئ بين الجميع». صحيح أن ذات «الأهرام» ذكرت أن مصر مع استقرار السودان وضد انزلاقه نحو الفوضى؛ لكن يبدو أنها عبارة تقليدية مكررة، وتأتي في خضم استهلاك سياسي دبلوماسي. إذ أن نوايا الدولة العميقة الحقيقية في مصر تجاه السودان وتجاه كل الأطراف السودانية، لا يتم الإعلان عنها بل هي مخفية والحصيف من يبحث عنها وحتما سيجدها. وعلى كل الأطراف السودانية أن تعلم أن نظرة الاستراتيجية لنظام السيسي المعبّر عن الدولة العميقة، تجاه السودان ليست أن يكون دولة ديمقراطية ومتقدمة اقتصاديا وتلعب أدوارا إيجابية إقليمية ودولية؛ فالسودان ليس سوى حديقة خلفية به مخزون أراضي زراعية شاسعة مستقبلية لاستيعاب الانفجار السكاني في مصر وكذلك حارس لبوابة مياه النيل جنوبا. إن ما يثير القلق في السودان أن الرئيس البشير غير مكترث لضرورة طرح حلول سياسية بدلا عن الاعتماد كليا على المقاربة الأمنية وقمع المتظاهرين. ومن الضروري أن يعلم البشير أن قبوله بأي مقاربة سياسية أمر تحدده الخيارات الأخرى المتاحة وليست العواطف والأمنيات، فأمنيته كما يبدو البقاء في السلطة لكن الواقع تغير بل قد يصبح حتى خيار التنحي الطوعي أمرا غير متاح في مقبل الأيام. ويبدو أن من الحلول المتاحة التي تجعل زمام المبادرة في يد الرئيس البشير أن يتم إقناعه أو يقتنع بالتنحي الطوعي والوعد بعدم الترشح في الانتخابات القادمة، كما يعلن عن فترة انتقالية محددة وقصيرة قدر الإمكان، تُهيئ فيها الأجواء بالاتفاق والتوافق مع القوى السياسية الفاعلة تمهيدا لإجراء انتخابات شفافة وحرة. وفي ذات الوقت الإعلان بشكل مباشر عن محاربة الفساد وتقديم المفسدين لمحاكمات نزيهة لا تستثني أحدا. وقد تكون آلية تنفيذ هذه الموجهات اعلان حالة الطوارئ في البلاد كافة حتى تمكّن من فرض الاستقرار ووقف التدهور الأمني.