عبد الماجد عبد الحميد يكتب: معلومات خطيرة    باكستان تجري تجربة إطلاق صاروخ ثانية في ظل التوترات مع الهند    تشفيره سهل التحرش بالأطفال.. انتقادات بريطانية لفيسبوك    بعقد قصير.. رونالدو قد ينتقل إلى تشيلسي الإنجليزي    "فلاتر التجميل" في الهواتف.. أدوات قاتلة بين يديك    ((آسيا تتكلم سعودي))    ما هي محظورات الحج للنساء؟    الفَهم البيجِي بعد السّاعة 12    شاهد بالفيديو.. هدى عربي وحنان بلوبلو تشعلان حفل زواج إبنة "ترباس" بفواصل من الرقص المثير    المريخ يواصل عروضه القوية ويكسب انتر نواكشوط بثنائية    شاهد بالفيديو.. هدى عربي وحنان بلوبلو تشعلان حفل زواج إبنة "ترباس" بفواصل من الرقص المثير    شاهد بالفيديو.. قائد لواء البراء بن مالك يهدي الطالبة الحائزة على المركز الأول بامتحانات الشهادة السودانية هدية غالية جداً على نفسه إضافة لهاتف (آيفون 16 برو ماكس) ويعدها بسيارة موديل السنة    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يحيي حفل من داخل مياه (حوض السباحة) وساخرون: (بقينا فاطين سطر والجاتنا تختانا)    494882583_1027677122659540_517597244601675255_n    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية يقدم تنويرا للبعثات الدبلوماسية والقنصلية وممثلي المنظمات الدولية والاقليمية حول تطورات الأوضاع    تشيلسي يضرب ليفربول بثلاثية ويتمسك بأمل الأبطال    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    السعودية تستنكر استهداف المرافق الحيوية والبنية التحتية في "بورتسودان وكسلا"    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    بورتسودان .. مسيرة واحدة أطلقت خمس دانات أم خمس مسيّرات تم اسقاطها بعد خسائر محدودة في المطار؟    الجيش يوضح بشأن حادثة بورتسودان    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دولة الجنوب والنأي عن الأزمات..!!
نشر في المجهر السياسي يوم 25 - 12 - 2013

لم تكن الإدارة البريطانية في مؤتمر جوبا 1947م بعيدة عن الواقع والموضوعية - وهي صاحبة فكرة فصل الجنوب عبر المناطق المقفولة (Close of Districts) - عندما رأت في ذلك المؤتمر أن يظل جنوب السودان في وحدة وصلة وثيقة بالشمال يومئذ، لغرض اكتساب الخبرة والإفادة مما لديه من إمكانات. عليه، ورغم ما حدث بتوريت في 18 أغسطس 1955م، وقف القادة الجنوبيون مع قرار الاستقلال في 19 ديسمبر 1955م، رغم ما اشترطوه من لا مركزية في الجنوب بعد الاستقلال.
ولم يكن للعقيد "جون قرنق" - رغم مانيفستو حركته الشعبية الذي كان شعاره (السودان الجديد New Sudan) عبر البندقية - أن يلجأ في ما بعد إلى الحل السياسي عبر الحوار والتفاوض، وهو ما انتهى إليه في اتفاق نيفاشا يناير 2005م، الذي قضى بقسمة السلطة والثروة وخيار تقرير المصير بعد ست سنوات كان المفترض فيها أن تكرس للوحدة، غير أن رحيل القائد "قرنق" المبكر في 30 يوليو من نفس العام فتح الباب لشراكة غير ذكية أو موضوعية بين طرفي الاتفاق، فسارت الأمور على غير الطريق والثقة وحسن الظن الذي كان يعمل به العقيد المؤسس، ذلك أن من كانوا يعرفون ب (أولاد قرنق) انحرفوا بالمسار الذي انتهى إلى انفصال إعمالاً لقرار تقرير المصير.. ولم يقف الحال عند ذلك الحد، وإنما عملوا عبر (هوس) السودان الجديد على توتير العلاقات بين الدولتين الجارتين، اللتين كانت إحداهما حديثة الولادة وفي أمس الحاجة إلى جارتها (جمهورية السودان)، فكان ما عرف ب (قطاع الشمال) وقياداته، التي كان كل ما في جعبتها (عكننة) النظام الحاكم في جمهورية السودان عبر:
- إثارة القلاقل والبلبلة في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، اللتين ظلتا محل تمرد وحرب وقلق أمني، ومصدر إهدار للموارد والطاقات وتفكيك للنسيج الوطني والاجتماعي.
- الحراك الخارجي الذي ضاعف من العزلة الدبلوماسية والسياسية بين جمهورية السودان والدول الخارجية التي لم تكن بحاجة إلى المزيد من حصارها ومقاطعتها المعروفة.
وليس هذا وحده، إنما علاوة على ذلك كان تعطيل المصالح والمنافع بين الدولتين الجارتين - جمهورية السودان وجمهورية جنوب السودان - فكان عدم تدفق النفط الجنوبي عبر خطوط أنابيب ومعينات الصادر في جمهورية السودان.. بل وعبر الهجوم على منابع النفط في (هجليج) كان امتداد ذلك الأسر الثالب إلى تعطيل آليات العمل في الحقول.
هذا بالضرورة، وقد استمر أثره طوال العامين الأولين لقيام دولة جنوب السودان، كان له تأثيره على مصادر العائدات التي من المفترض أن تدعم موازنة الدولة وهي التي تشكل قرابة ال(90%) من مصادر دخل تلك الموازنة، غير أن (الحماقة أعيت من يداويها..!)، وقد فتح ذلك الباب لأصدقاء الجمهورية الوليدة من حكومات غربية ورموز لأن تصرح وتجاهر بالقول إن حكومة جمهورية جنوب السودان حكومة فاشلة، ومؤشرات الفقر والعطالة فيها تشكل أرقاماً خرافية. والمواطن الجنوبي لم يشعر بأن ثمة جديداً أو ما يدعو للتفاؤل في جمهوريته الجديدة الوليدة.
إن (أولاد قرنق) من صلبه السياسي، "باقان" و"عرمان"، كانا هما السبب في ذلك كله، لأن مصلحة المواطن الجنوبي لم تكن لها الأوليه في أجندتهما، وإنما إزالة النظام الحاكم في الشمال ومن ثم الوصول إلى (السودان الجديد العلماني الاشتراكي الموحد)..! وهذا كله في ضوء الواقع ليس سوى (أحلام ظلوط..!) كما يقولون. ذلك إن عشرين عاماً من رفع السلاح في وجه ذلك النظام، وهي المدعومة يومئذ بأطياف المعارضة في شمال السودان والسند والدعم السياسي والدبلوماسي والاقتصادي الأجنبي، لم تحقق ذلك الغرض، وإنما انتهى الزعيم والقائد "جون قرنق" إلى العمل بالسياسة عوضاً عن السلاح والبندقية - كما سبق أن قلنا.
لقد اضطر الفريق "سلفاكير" زعيم الحركة الشعبية ورئيس الجمهورية الوليدة، إلى طرح هواجس ووساوس (أولاد قرنق) جانباً، والعودة إلى العقل ومخاطبة شؤون وشجون المواطن الجنوبي الذي يحتاج إلى لقمة العيش والخدمات الصحية والتعليمية والبنى التحتية، فكانت عودته إلى التفاهم وتبادل المنافع والمصالح مع جمهورية السودان، ومن ثم كانت جولات التفاوض المتلاحقة في أديس أبابا وصولاً إلى الاتفاق الذي أعاد المياه إلى مجاريها، ومنه كما هو معلوم:
- أولاً: عودة النفط إلى التدفق والصادر عبر خط الأنابيب والمعينات الفنية والموانئ السودانية.
- ثانياً: فتح الحدود وتأمينها لتتدفق السلع والبضائع وصولاً بها إلى دولة الجنوب.
- ثالثاً: العمل المشترك بين الجمهوريتين لإلغاء ديون جمهورية السودان وتحسين العلاقات السودانية مع العالم الخارجي.
وبالضرورة، هناك الأمن القومي بين الدولتين، ومعالجة قضية الحدود وسائر القضايا العالقة في اتفاق سلام نيفاشا.. وهذا كله بطبيعة الحال مما لم يكن ليروق ل (أولاد قرنق) ولخصوم الفريق "سلفا" السياسيين، وعليه كانوا يعملون دوماً لإعاقة وتعطيل ذلك الاتفاق الذي باركه الكثيرون في المحيط الأفريقي والعربي وغيرهما.
إن العلاقة بين الجمهوريتين (جنوب السودان والسودان) على النحو الذي بات مشهوداً في الفترة الأخيرة، وتبعته إجراءات وملاحقات كانت خصماً على مشروع (أولاد قرنق) وحلفائهم من جبهة ثورية وجماعات تمرد دارفورية وقوى إجماع وطني في الخرطوم، لا تصب في مصلحة أولئك، وإنما في مصلحة الحكومة الجنوبية والمواطن الجنوبي الذي لم يذق طعم جمهوريته الجديدة، وتصب لا ريب في مصلحة المواطن في جمهورية السودان، وقد ظلت حكومته تشكو من تدهور الاقتصاد والبيئة الأمنية جراء ما يحدث في جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور.
ودولة جنوب السودان التي أصبح (أولاد قرنق) من همومها، قامت في الفترة الأخيرة ببعض الإجراءات التي تمخضت عنها قلاقل وتفلتات شملت آخرين لا يحسبون في قائمة (أولاد قرنق) كالدكتور "رياك مشار"، وقد ترتب على ذلك أن تمدد الحال إلى صراع عسكري مسلح احتلت فيه مدن ووصل إلى حقول النفط، وأثار قلق الكثيرين في الداخل والخارج، مما دعا الفريق "سلفا" إلى طرح فكرة الحوار مع الدكتور "مشار" وآخرين حتى لا ينحو الخلاف منحى قبلياً، فالدكتور "رياك مشار" من قبيلة (النوير) التي تقع حقول النفط الكبرى في أراضيها.
مهما يكن من شيء، فالحوار في الداخل من ضرورات المرحلة وترتيباتها في جمهورية جنوب السودان، شأن الاتفاق وتبادل المصالح والمنافع مع جمهورية السودان ودول الجوار الأخرى.. وذلك بغرض النأي عن الأزمات وتطوراتها السالبة، التي تبدو للعيان في البلاد الأفريقية والعربية وغيرها مما يقود إلى التدخل الأجنبي وتعاطيه في الشؤون الوطنية، إذ كما تعاطت فرنسا في ما جرى بجمهورية أفريقيا الوسطى فربما تعاطت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في الشأن بجمهورية جنوب السودان.
وعليه، فإن ميل الرئيس "سلفاكير" وطرحه الحوار مع خصومه السياسيين يعبر عن الكثير من العقل والحكمة، فالنأي عن الأزمات وتجاوزها من أدوات الحكم الراشد، الذي يتطلع إلى أن يحقق مكاسب وميزات لشعبه.. والمطلوب في هذا الظرف أن يستجيب الآخرون للحوار والتفاهم تجاوزاً لما هو غير مطلوب أو مرغوب، فالعبرة بما يجري في بعض البلاد، والجنوب الذي خرج من عقود من الحروب وعدم الاستقرار لا ينقصه أن يعود الآن إلى ما سبق جراء الهواجس والوساوس التي أطاحت وتطيح بكل شيء. والطموح السياسي لا يتحقق بالخلافات والصراعات وحدها، وإنما بالحوار والوسائل المشروعة والديمقراطية أكثر من غيرها.
وليس أمامنا أو في وسعنا ونحن نشاهد ونرى ما نرى في جمهورية جنوب السودان وقبلها في الدول الأخرى، إلا أن ندعو إلى تجاوز الأزمات والحوار آلية للحكم الراشد والصالح الذي يلبي مطالب المواطنين من سلام واستقرار وتنمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.