أعرف أيها الجميل المجنون لماذا تطاردني في هذا الصباح النابض بالغيم صورتك، ويلاحقني صوتك وصخبك العفوي وهتافك في مجالس أصدقائك، أخرج من منزلي تستقبلني أشجار الشوارع ناعسة وهي تحتسي القهوة العربية بالهيل والزعفران على إيقاع صباحات الحجاز، أشجار تحاول النهوض من غفوة الليل، ما زلت أسمع هتافك وأنت في قمة تجلياتك، تسقي عروق الفجر من وهج القصائد، ما زالت يا صاحبي هناك شرفة كنا نطل منها على براح ليل المدينة الحالمة تسأل عن أسرار هروبنا من طاحونة الشقاء والتعب، يووووووووووووه.... يا صاحبي هاتفتني ذات صباح طازج وأنت تطارد النوم من مكان إقامتك في (واشنطن) وسألتني لماذا أنا هارب وإلى متى أهرب ومتى سأضع عصا الترحال من رحلة الشتات القسري؟ ههههههه... آآآآآآآه... يا صاحبي لقد سبقتني في توجيه هذا السؤال المغسول بعطر الحيرة، كم أنت لئيم كما كنت دائماً، أقول وفي فمي ماء، أنا هارب يا صاحبي حتى إشعار آخر، وسوف أظل ذلك الرجل، هل تريدني أن أعود إلى فضاءات لا أعرف كيف أعيش فيها، هل تريد أن يرميني حظي العاثر في قبضة شرطي مرور غاضب من زحام السير ومن عكننة زوجته اللئيمة، هل تريدني أن أتسول إنجاز معاملاتي عبر أصدقاء الزمن الجميل، هل تريدني أن أخضع لاستجواب من أحد كوادر شرطة إدارة أمن المجتمع، فقط لأن خلقتي المكشرة لا تروقه، هل تريدني أن ألعن (سنسفيل) أبو جدود جدود من يلطعني خارج مكتبه إذا ساقتني الظروف لقسم أو محلية أو معتمديه أو وزارة أو أي جسد آخر في الوطن، وأنت تعرف كم أنا جد مسالم، هل تريد أن تفتت قلبي يا صاحبي وقلبي طازج ما يزال به بعض الرمق، أنا هنا يا صاحبي أعزف على سيمفونية الراحة وشراء الدماغ والبعد عن العكننة وخمسة وخميسة في عين الحسود، اشتري هنا دماغي من (الهوس) والعك اليومي وغياب الضمير والاحباطات في الوطن، أنا هنا ارتاد متجر (دبنهامز وبي اتش اس ومارك سبنسر ونكست وزارا) وأتعشى في مطاعم على أنغام الموسيقى، وأجد من يحترمني ويرفع القبعة لحضرتي، المهم دعك من مسألة الهروب والعكننة والخصوصيات وحدثني، متى تعود أنت؟، صدقني ما زلت أتذكرك في جلسة مسائية في شقة تطل على طريق الحجاز في مدينة الرياض، شقة كانت مزاريب المطر فيها مسكناً لعصافير الصباح، كانت تشمخ بجوارها نخلة يرتاح على هامتها قمر الصيف الناعس، وأتذكرك في شقة في شارع صاري في جدة، وكان معنا اللئيم ياسر عبد الفتاح، وأتذكرك في منزل جدرانه باهتة في الكندرة في جدة، وأتذكرك في منزل في حي الهنداوية الشرقي، أقول... لماذا انقطعت أخبارك عني، تعودت أن يأتيني صوتك في آخر الليل في نهايات الأسبوع مثل الديك الذي لا يعرف الوقت، كم كان يسعدني ذلك، لم يعد السودان يا صاحبي كما هو هل تذكر تلك الأيام، كنت يا صاحبي فاكهة مجالس الطرب، وآخر مرة التقينا ضحكنا كعادتنا وسخرنا من الحياة، وكان صخبك الجميل سيد الموقف وبعدها تفرقت بيننا السبل.