المبلغ ليس سهلا، فمليون دولار كفيلة بتغيير حياة أي شخص، وتحويله من خانة البؤساء إن كان منهم، إلى خانة المبحبحين الميسورين .. بكل معنى الكلمة . صويحبكم لسوء الحظ ليس من مالكي هذا المبلغ، ولو جاءني لاستطعت مد لساني لكل الضغوطات الاقتصادية، ولأقمت بعض الاستثمارات في الداخل والخارج، بحيث تعينني استثماراتي الخارجية على تجاوز (الدقداق) الذي يفرمل الداخل، فلا تعيقني اختناقات الدولار في البنوك، والتي تفتح الحساب للعملاء بالعملة الصعبة إذا شاءوا إيداع دولاراتهم العزيزة، فإذا أرادوا سحب ما أودعوه كشرت عن أنيابها .. ومكرت عليهم بحجة أنه لا توجد في خزينتها دولارات ! كما أن الاستثمار الخارجي .. يتيح لي الهرب لجلب النواقص لي ولأحبابي وأصدقائي، فلن أحتاج لشراء دواء معدوم من الداخل، وإهدار وقتي وما تبقى من عافيتي في الدوران على الصيدليات، لأنني سأستطيع بسهولة السفر للخارج، وجلب ما أحتاجه ويحتاجه من يهمني أمرهم، كما لن أنسى جلب بعض الأدوية الأخرى التي قد يحتاجها مرضى الفشل الكلوي، والذين باتوا يشكلون ظاهرة غاضبة ضمن احتقانات البلاد، حيث اضطروا عدة مرات لقفل بعض الشوارع قرب المستشفى المركزي بالخرطوم .. احتجاجا بسبب شح أدوية الغسيل الكلوي التي تعينهم على البقاء أحياء ! أحد الأصدقاء ممن يكابدون الحياة مثلنا .. قال إن المليون دولار نفسها لا تعمل شيئا في السودان، وأقر بأن المبلغ يمكن أن يحدث انقلابا في حياة الشخص إن كان مقيما في أي مكان عدا السودان، وعندما سألته عن السبب قال إن شقة من ثلاث غرف وصالة وصالون بالخرطوم 2 والعمارات والرياض وبعض المناطق العاصمية المرغوبة .. تناهز في سعرها المليار ونصف المليار جنيه سوداني بالقديم . وأشار إلى أن مليون دولار تساوي بالسعر الرسمي أقل من ستة مليارات جنيه، وهو ما يساوي سعر أربع شقق لا غير، ما يعني أن المليون دولار ستتبخر في العقارات لأي مستثمر سوداني يريد أن يبدأ عملا يدر عائدا ماديا، وبعدها يبدأ هو نفسه في البحث عن ممول !! سبب الحديث عن المليون دولار، هو أن أستاذا هندياً في علوم الفيزياء كسب مليون دولار كجائزة حسب الأخبار الواردة أمس. والجائزة تقدمها احدى الجهات المهتمة سنويا، حيث فاز الهندي (سوجانا ميترا) بالمليون نظير جهوده في تعزيز التعلم الذاتي لدى الأطفال الذين لا يمكنهم الالتحاق بالمدارس . طبعا المليون سيعني للأستاذ الهندي الكثير، وهو مبلغ كفيل بتحويله لشخص آخر، ومن الممكن خلال فترة قصيرة أن يحتفل بتحقيق المليون الثاني والثالث والعاشر .. لأنه قد دخل في الطريق الصحيح لعالم الأثرياء والمليونيرات . لكن بحسب صديقنا الذي قال إن المليون دولار ليست مبلغا هائلا بالنسبة للسودان .. فإن أصحاب الثراء عندنا يملكون مبالغ تتجاوز هذا المبلغ بعشرات المرات وربما بمئات المرات، لأن المليون دولار لا تصمد أمام ضوائق الاقتصاد وانهياراته في بلد الغرائب والعجائب، فكيف هو الحال بالمسحوقين وما أكثرهم ! عموما .. صويحبكم يملك وصفة لتنمية المليون دولار لتصبح مائة مليون دولار، لكنني سأحتفظ بها لحين امتلاكي المبلغ، فليس كل ما يعلم يقال، وليست الافكار سلعة بائرة ! أدعوا لي بالمليون، ولن أنساكم حين يهطل الخير على داري !