من بين مواهبي العديدة، انني لا اكتب شيئا الا بعد إطفاء الأنوار. أغمض عيني واحدد الموضوع الذي سأكتب فيه- لنقل مثلا، إنني قررت ان اكتب عن اختراع الروس للحذاء المزود بمحرك يعمل بالوقود السائل: سأكتب عن مزايا هذا الحذاء بالنسبة للفقراء ..يخلع الزوج حذاءه في غرفة النوم ثم يدخل في مشاجرة مع زوجته لأنها قدمت له وجبة مستعملة.. تغافله الزوجة وتلبس الحذاء ابو سريع مسلحة بعصا..زوووم تمر بجانبه كالصاروخ وتطخه على أم رأسه: طلقني وإلا سأخلعك! يستنجد الزوج بالشرطة ليتم إبلاغه بان جميع رجال الأمن مشغولون بمتابعة التحركات المريبة لقوى الخيانة والردة، فيقول للشرطة ان زوجته شيوعية بعثية صهيونية! فيقولون له: ولو..لا ورانا شغل مهم. وهكذا يشطح بي الخيال فأظل سهران لبضع ساعات من دون ان يطرق النعاس جفوني فأبدأ في عد النعاج والخراف في السودان وبعد ان ينشف ريقي أشرب كوب ماء مثلج وأواصل معركة استجداء النوم! ولكنني اقوم بإطلاق بضعة صواريخ على مستوطنات يهودية واغتيال عدة زعماء من الصنف \"الذي يعجبك\"، وتعتقلني المخابرات وتعذبني فأترك الفراش وألجأ الى الحمام طلبا للنجاة. ثارت ضجة في بريطانيا مؤخرا لان استطلاعا أبان ان نحو نصف العائلات البريطانية ما عادت تقرأ قصص ما قبل النوم للأطفال، وقيل ان الحرمان من تلك القصص يسبب للأطفال اضطرابات نفسية ويضعف روابطهم بآبائهم وأمهاتهم، وبحمد الله فقد شبعت في طفولتي من قصص الأمهات والجدات وكلها عن الغول الذي انتزع عين فاطمة السمحة والجني الذي يشم أيدي الأطفال التي لم تُغسل بعد الأكل، والبعاتي (ميت ينهض من قبره) الذي بقر بطن زوجته لأنها تزوجت بعد وفاته، وما الى ذلك من حكايات تشرح الصدر \"تشريحا\". الشاهد هو أنني أعاني من صعوبات جمة في استدراج النوم رغم انني أعده أمتع شيء في الحياة..هذا كلام غريب لأن النوم ضرب من الموت القصير او المؤقت، ولكنني لا أمانع في الموت المؤقت ثماني ساعات يوميا، وأمامي الآن قصاصة قديمة من جريدة أوبزيرفر اللندنية فيها ان الحرمان من ساعات كافية من النوم يضعف جهاز المناعة ويؤدي إلى أمراض من بينها السرطان، .. سنويا يموت في بريطانيا 45000 شخص في حوادث سيارات لانهم كانوا يقودون سياراتهم وهم بين اليقظة والمنام، ويقول البروفسور غريغوري ستورز من جامعة اوكسفورد ان الكثيرين لا يدركون ان نقص ساعات النوم لا يقل خطورة عن نقص التغذية، وان أطباء بريطانيا أصدروا العام الماضي 24 مليون وصفة بعقاقير منومة، وفي مدينة ادنبره باسكتلندا مركز للنوم (سليب سنتر)- ما أروع الخواجات فلديهم اختصاصيون في كل شيء- واثبت الباحثون في هذا المركز ان الحرمان من النوم لليلتين يؤدي الى ارتفاع الكورتيسول، وهو ستيرويد طبيعي وهرمون يتحكم في الانفعالات، مما يؤدي الى ارتفاع ضغط الدم، وبالنسبة للمصابين بال \"أَبنيا\" وهو اضطراب في التنفس أثناء النوم فان ذلك يؤدي الى الإصابة بأمراض القلب، واتضح ان حرمان الفئران من النوم لأسبوعين وهو ما يعادل ثلاثة أشهر للآدمي، يؤدي الى وفاتها وبما ان هناك صلة رحم وقرابة بين الإنسان العربي والفأر لأن العربي قليل الحيلة وعليه ان يحرص طوال حياته على تفادي الشراك والفخاخ، فمن المؤكد ان ما ينطبق على الفأر ينطبق على المواطن العربي. ومنذ ان قرأت ذلك التقرير طار حتى قليل النوم من جفوني، فما ان استلقي على الفراش حتى ابدأ في التفكير: هل سيتكرر معي الأرق حتى الحق بتلك الفئران؟..التقرير فيه نصائح لمن يريد استدراج النوم ومن بينها عدم الاحتفاظ في غرفة النوم بتلفزيون او كمبيوتر (لا أفهم لماذا استبعد الزوجة من الأشياء المسببة للأرق؟)، وعلى ضحية الأرق ان يتفادى القراءة الجادة قبل النوم..يعني احسن منوم هو الجرايد العربية الرسمية خاصة ذلك النوع الصادر من البلدان التي لا يكف رؤساؤها عن الكلام آناء الليل وأطراف النهار، ولكن الخطورة تكمن في ان كلامهم مثل المكرونة الاسباغيتي لا تعرف أوله من آخره، وقد تراودك الرغبة في غرس أسنانك في صاحب الكلام فيأتيك خيال جماعة الأمن فيطير منك الإحساس بالأمن والنعاس! أخبار الخليج - زاوية غائمة [email protected]