كان أمتع ما في الإجازة التي قضيتها في السودان من الأسبوع الاول من فبراير حتى منتصف مارس أنني تابعت الثورتين التونسية والمصرية كابن آدم، وليس كابن آوى!! أقصد أنني كنت أشاهد أحداث تينك الثورتين واستمتع بها من دون أن أكون مطالبا بفعل أي شيء آخر!! هذا الكلام ليس خطرفة، فعملي الرسمي طوال أكثر من ثلاثين سنة هو رصد ما يحدث في كل أنحاء العالم وتوصيل نتائج الرصد الى القارئ او المشاهد، وبحكم عملي في قناة الجزيرة فإن الأحداث والتطورات الاستثنائية تتطلب مني ومن زملائي جهدا استثنائيا، ولكن وعندما كنت أجلس أمام التلفزيون في الخرطوم وسمعت أن زين الهاربين بن علي تسلل خارج البلاد طلبا للسلامة، صحت: ياهوووو.. الله أكبر على كل من طغى وتجبر.. ربنا على المفتري.. السبع صار ضبع «إلا ربع».. ووقفت أمام التلفزيون وشاركت التونسيين في التصفيق والرقص (غير الخليع).. وكنت من قبل استنكر قول المطربة التونسية لطيفة «حوالي كتير»، وكانت تغيظ بذلك الحبيب الحالي وتقول له إن لديها بدل الحبيب كذا احتياطي وألف من يتمناني.. ولكنني رددت أغنيتها تلك فور سماع نبأ هرب بن علي، وكنت أقصد ب«حواليا كتير»، أنني محاط بملايين التونسيين أشاركهم نصرهم الكبير على الحجاج بن علي زوج الطرابلسية (وعقبال ما أغني وأرقص برحيل الطرابلسي الأهوج الذي جعل من يوم مولدي - الأول من سبتمبر - فاتحة لأكثر من أربعين عاما من القهر والظلم للشعب الليبي). كم كان ممتعا رؤية بن علي وحسني مبارك يقفان ذليلين يستجديان الرأفة، ويستعرضان السي. في. على أمل أن يحن الشعب عليهما ويمدد خدمة كل منهما بضع سنوات.. الممتع بالنسبة لي لم يكن فقط رؤية تفاصيل سقوط رمزين للطغيان والغطرسة، بل ألا أكون مطالبا بأكثر من التعبير عن مشاعري. فبحكم أنني كنت في إجازة لم أكن مطالبا بمتابعة المشهدين التونسي والمصري ك «صحفي»، وكنت في دواخلي سعيدا وأقول: أحسنت اختيار توقيت الإجازة يا ابوالجعافر يا مبروك.. تتفرج وتفرح وأنت راقد على جنبك وزملاؤك ينشف ريقهم وهم يلخصون الأحداث في تقارير، وليس لديهم الوقت للتعبير عن فرحتهم كما هو الحال بالنسبة لك. ثم دارت علي الدوائر،.. وصلت الدوحة واشتعلت الأمور في اليمن، واستيقظ كل صباح وأقول: شدة وتزول.. والشدة هي ضغط العمل وضغط الدم الناتج عن الاستماع للرئيس اليمني وهو يقدم تنازلا ثم يلحس كلامه بعد ساعات، ويعلن أنه لن يغادر الكرسي إلا عبر بوابة الديمقراطية.. بس يا ريس هل وصلت الى الكرسي عن طريق الديمقراطية؟ وكمان شوية وانفجر بركان الغضب الليبي، ولم يفاجئني أن ذلك الرجل الذي يا ما خرج علينا بكلام وأزياء تفطس من الضحك، يملك كل تلك القسوة في التعامل مع من يسميهم «أبنائي وبناتي».. حاشا لشعب ليبيا العظيم ان يكون «أبناؤك وبناتك»!! تقارن الثوار الأماجد بأولادك سيف الإسلام والمعتصم وخميس؟ تف من بؤك (بقك).. كبرت كلمة تخرج من فمك.. ومنذ أسبوع والأوضاع في سوريا «بين بين»، وأنا يا آنساتي سيداتي سادتي، ثائر بطبعي على الظلم والطغيان، ويطربني هتاف الجماهير المطالبة بالحرية والكرامة.. يعني يا غلابة ويا محرومين من كل شيء أنا منكم وإليكم.. بس الله يخليكم.. كلما فكرتم في ثورة كاسحة تؤدي الى تغيير أعطوني خبر كي أتقدم بطلب إجازة وأناضل معكم وأنا جالس في صالون بيتي (للشاعر المصري أحمد فؤاد نجم قصيدة يقول فيها عن مناضلي الصالونات من أمثالي بمناسبة رثائه لغيفارا: غيفارا مات «يا أنتيكات» يا دفيانين ومولعين الدفايات/ يا بتوع نضال آخر زمن في العوامات). [email protected]