** ومن اللطائف الشهيرة التي يحكونها عن مطربنا الراحل عبد العزيز محمد داود، قصة توسطه للرئيس الراحل جعفر نميري، لإطلاق سراح الأستاذ وردي الذي كان معتقلا يومئذ، وما أن فتح عبد العزيز فمه قائلا: (يا ريس ياخ ولدنا وردي دا ...)، فقاطعه أب عاج غاضبا: (ما لو وردي؟)، فواصل أبو داود، ولكن بعد أن استوعب ما قد يحدث، قائلا: (يا أعدمو وريحنا منو)، وفي رواية أخرى: (ياخ طفشوا سجن شيلا، كرهنا بالزيارات وشيل الأعمدة). وهكذا أنقذ أبو داود نفسه من غضبة نميري، ولكن الرواة يجزمون أن نميري ضحك واستحسن رده، ثم فهم ما قاله أبو داود تلميحا، وليس تصريحا! ** وقبل أشهر، كنا نجري حوارا مع والي الخرطوم، برفقة الأخ ضياء الدين بلال، وكانت مسيرة ميدان أبو جنزير ولافتة نقد الشهيرة (حضرنا ولم نجدكم) من ظلال أحداث تلك الأيام وفرضت ذاتها في محاور الحوار. على هامش الحوار، اقترحت للوالي أن يخصص ساحة - بعيدة عن وسط الخرطوم - لمثل تلك التجمعات وغيرها التي تنظمها الحكومة؛ لأن وسط الخرطوم لا يحتمل الزحام، وكذلك أي شغب أو تفلت قد يكبد بعض العامة الكثير من الخسائر، خاصة أن وسط الخرطوم - وأبو جنزير تحديدا - تحيط به متاجر العامة ومطاعمهم وكافترياتهم، ولذلك أرى أن تخصص الحكومة الساحة الخضراء - على سبيل المثال - مكانا لحق المرء في التعبير، حكوميا كان ذاك التعبير أو معارضا. (ولا رايك شنو؟)، هكذا سألت الدكتور الخضر، فأجاب عن سؤالي برد من شاكلة: (يعني انت عاوزني أخصص ليهم ميدان تحرير؟)، فتذكرت أبو داود وتعلمت درسته، وقلت سريعا: (لا لا ياخ ميدان تحرير شنو؟ يعني مكان كدا بعيد من مكاتبكم، عشان كوراك ناس المعارضة ما يزعجكم). وضحكنا، ولكن الوالي – كما نميري - فهم ما قلته تلميحا، وليس تصريحا! ** أحداث لندن الأخيرة هي التي جاءت بتلك الخاطرة إلى خاطري، وهي أحداث تؤكد أن مجتمع الغرب - ليس كما يرسمه لنا إعلامهم - مجتمعا حضاريا بحيث يتقن (فن التعبير)، بل هو مجتمع - كما معظم المجتمعات الغربية - مغلف بالرقي، بيد أنه محشو بالقنابل العنيفة التي لا تتقن (فن التعبير)، إشعال الحرائق في سيارت العامة ونهب محلاتهم التجارية، من وسائل تعبير (شعوب العالم الثالث)، فكيف انتقلت هذه الوسائل إلى تلك الدولة الملقبة بالعظمى؟ هل انتقلت بالهجرة، أم أن مجمتعهم تأثر بأحداث عواصم العالم الثالث التي تنقلها فضائياتهم؟ وبالمناسبة، شباب الثورة المصرية قدموا للعالم نموذجا مثاليا من نماذج (فن التعبير)، وذاكرتي تحتفظ بمشهد رائع يعكس (التفريق بين التعبيرعن الذات وتخريب الأوطان)، وهو مشهد يوضح أعرق متاحف مصر محاطا بسياج من الشباب، لحمايته من النهب والتدمير والحريق، بعد انسحاب الشرطة، نعم، لقد حلوا محل الشرطة، لإحساسهم العميق بأن (حماية الوطن ليست مسؤولية الحكومة فقط، ولا مسؤولية الشرطة فقط)، وقل أن تجد مواطنا - في عالمنا الثالث هذا - بهذا الفهم المسؤول، وما حدث بكينيا خير دليل بأن المواطن - في أية لحظة - يمكن أن يتحول من مواطن إيجابي إلى مواطن (عدو نفسو). لماذا حسمت ثورتا تونس ومصر أمر حكومتيهما في لمحة بصر؟ بيد أن ثورات اليمن وليبيا وسوريا، تحولت من ثورات شعبية إلى شيء يكاد أن يكون أقرب لل(حروبات الأهلية)؟ وهكذا، ما لن تتقن فن المرافعة، فلن تكسب قضيتك، حتى ولو كانت عادلة! إليكم - السوداني [email protected]