أغبط أولئك الذين يتمتعون بمهارات يدوية، ويتولون إصلاح الأجهزة المنزلية بأنفسهم، وتركيب وتوصيل المعدات الالكترونية والكهربائية، فعلى الرغم من اقتنائي لكل أدوات الفك والربط والحدادة والنجارة والسباكة، فإنني ما لمست بها شيئا بهدف إصلاحه إلا وكانت نهايته.. ولهذا فعندي على الدوام أرقام سبعة كهربائيين وتسعة سباكين، ولأن هذه الفئة لا تحترم المواعيد فإنني أتعامل معها بسخاء شديد كي أضمن أن الواحد منهم سيأتيني بعد يومين على أبعد تقدير من طلبي منه الحضور، ويا ما صرت مثل السمسمة عندما جاء كهربائي شكوت له من الكهرباء في بيتنا كله «ضاربة» فسألني عن صندوق تحويل الكهرباء الرئيسي فقلت له انه لا علم لي بوجود مثل ذلك الصندوق وخلال دقائق كان قد عثر عليه أسفل ما نسميه السلم ويسميه غيرنا الدرج، ورفع زرا ثم أنزله وعادت الروح الى الكهرباء، وإمعانا في إذلالي يرفض تقاضي أي مبلغ مني نظير خدماته. والأمر الآخر هو أنني غير «منظم»، بمعنى أن مكتبي يشبه مستودعا للكتب والأثاث المستعمل، وتدخله فتحسب ان محتوياته انتشلت بعد تسونامي محدود النطاق لم يحس به بقية من هم حولي لأنهم بلا أحاسيس، وكثيرا ما تسقط شماعة ملابسي بعد اختلال توازنها لأنني قد أحملها ما لا طاقة لها به! ولكن هناك أمر واحد ظللت فيه مثالا للنظام والانضباط، وهو «المواعيد».. لدي - وبعبارة أدق - أعاني من، إحساس قوي بالوقت، ولو أيقظوني فجرا ووضعوا عصابة سوداء على عيني وتركوني في غرفة مظلمة عدة ساعات لنجحت في تحديد الوقت بزيادة او نقصان دقائق قليلة.. ولدي ساعة حائط أو تنبيه في أي اتجاه أدير فيه رأسي في البيت.. وعندي في المكتب ساعة على الحائط وأخرى على الطاولة، (ولا تقل لي ان الموبايل والكمبيوتر يوضحان الوقت بدقة لأنني مش فاضي للتنقيب عن الموبايل وسط أشيائي المبعثرة) وبسبب التزامي بالمواعيد فإن لي برامج يومية ثابتة أنجز فيها أشياء محددة ولا أخرج عن تلك البرامج إلا «للشديد القوي»، أي حدوث أمر طارئ ومهم.. بحلول التاسعة صباحا، يجب ان أكون قد أكملت جزءا معينا من العمل الموكل إلي.. ومن التاسعة حتى منتصف اليوم هناك مهمة أخرى محددة.. وهكذا دواليك.. حتى مقالي هذا التزم بكتابته في ساعة معينة، بل أفضل كتابة عدة مقالات دفعة واحدة حتى أتفادى صيحات: صح النوم يا أستاذ الجريدة رايحة على المطبعة وفي انتظار مقالك (المشكلة هي انني - بسبب خلل في الذاكرة - قد اكتب المقالات وأنسى إرسالها الى الصحيفة)، وتأسيسا على ما أسلفت فإنني شديد التقيد بالمواعيد التي أضربها للآخرين: إذا قلت لك سألتقيك في الرابعة فإنك ستجدني أمامك في الرابعة إلا ربعا.. وبالتالي فإنني لا أغفر للآخرين الاستخفاف بمواعيد ضربوها لي،.. إلى درجة أنني قد لا أفتح باب بيتي لشخص يعدني بزيارة منزلية في السابعة مساء ثم يأتيني في الثامنة (أما بعد التاسعة مساء فلا أزور ولا أُزار ما لم أكن في مدينة جدة التي هي «غير» فعلا، وتدب الحياة والمرح فيها وفي ساكنيها بعد العاشرة ليلا).. وبسبب تشددي في المواعيد فقد خسرت الكثيرين من معارفي لأنني أغضب جدا على من يخلفون المواعيد.. وهب أنني دعوت عشرة أشخاص الى العشاء عندي في التاسعة مساء، وبحلول التاسعة والنصف كان قد وصل منهم ستة، في هذه الحالة اعتبر النصاب مكتملا وأقول لهم «تفضلوا» ولا أحس بالحرج لأن من سيأتون لاحقا سيتناولون «بواقي الأكل»، وقد كان لهوسي بالمواعيد فوائد إيجابية وأخرى سلبية كما سنرى غدا بإذن الله. [email protected]