أخيرا استجابت وزارة المالية لنداءات الخبراء والمختصين فى مجال الاقتصاد بضرورة الاعتماد على الواردات غير البترولية، ولم تجد مفرا غير إعلانها عن تغيير معادلة الموازنة العامة للدولة فى الربع الاول من العام بصورة تغدو معها مساهمة قطاع النفط بحوالي «31%» مقابل «69%» للقطاعات التقليدية. وبالرغم من الشكوك فى النسب المطروحة، الا ان الاتفاق كان على ايجابية الخطوة واحتوائها على تحقيق آمال شريحة كبيرة من المنتجين الذين عانوا من إهمال الدولة لقطاعاتهم وتحويل اهتمامها الى البترول. واوضح مصدر مطلع فى وزارة المالية أن السياسات التى أدت الى تحقيق هذه النسب سيتم تطبيقها على بقية الموازنة بغية الخروج من نفق العجز الذى سيقود البلاد إلى مرحلة حرجة فى أعقاب انخفاض اسعار النفط، بجانب القناعات «الموجودة فى الأصل للقائمين على الأمر» باهمية القطاعات الاخرى، خاصة الزراعية منها، وضرورة الاعتماد عليها لسد الاحتياجات ودعم الموازنة العامة. ووصف سيد على زكى وزير المالية الأسبق ارتفاع نسبة العائد من الموارد غير لبترولية الى هذا المستوى بالانجاز، الا انه تساءل عن النسب التفصيلية التى أدت الى النسبة المعلن عنها ومقدار ذلك من الحساب الكلى، وقال إن التغيير الذى حدث لا يسند الى تطوير الصادرات التى لا يمكنها بوضعها الحالى التأثير بهذه الدرجة، واضاف ان هنالك عددا من الأسباب يدخل انخفاض اسعار البترول جزءا منها، ويرى سيد أن الجمارك والضرائب التى زادت فى الربع الاول من السنة من ضمن الاسباب واقواها. وأضاف إن النسب الحالية لا يمكن التأكيد على استمرارها او زيادتها، باعتبار أن الجمارك والرسوم المفروضة تم الاعلان عنها بشكل مفاجئ اضطر على اثره الموردين الى دفع هذه الرسوم نسبة لوصول هذه العربات ودخولها عبر الميناء، الأمر الذى سيؤدى الى خسارة كبيرة ما لم تتم هذه الاجراءات. وهذا الامر ينطبق على العديد من السلع الاخرى، لذلك فإن تأكيد المالية على الاستمرار يتوقف على مدى مقدرة الموردين على ادخال نفس الكميات. وشكك رئيس غرفة المصدرين باتحاد أصحاب العمل وجدى ميرغنى فى أن يكون العائد المذكور من الصادرات غير البترولية، باعتبار أن الصادرات غير البترولية مازالت ضعيفة ولا ترتقى الى المستوى الذى يؤهلها لأن تحتل هذا المركز خلال الاشهر القليلة الماضية. وقال إن التعبير المناسب يجب أن يكون بالدخول غير البترولية «وهذا فى اعتقادى ما قصد منه»، ويدخل فيها العائد من الجمارك والضرائب والرسوم وغيرها من المدخلات الأخرى، في ما عدا الصادرات بمختلف أنواعها التى مازالت تعاني من ضعف الانتاج والتكلفة العالية التى تقعدها عن المنافسة العالمية. ووصف خبير اقتصادى، فضل عدم الإشارة إلى اسمه، اتجاه المالية الى هذا المنحى، بعملية تخدير أريد منها عدم الاحساس بما نتج عن سياستها التى ادت الى انهيار القطاعات الاخرى غير البترولية. وقال إن ذلك جاء متأخرا ولا يمكن ارجاعه الى اهتمامها بالموارد الاخرى المتمثلة فى الزراعة، مبينا أن انخفاض اسعار البترول وعدم مقدرتها على الايفاء بالالتزامات التى تم وضعها حسب وارد البترول «فى عظمته»، أدت الى البحث عن موارد اخرى، ولم تجد أمامها غير الموارد الاخرى التى لا تستطيع بكل المقاييس أن تصل عائداتها الى هذا المستوى بعد أن انهارت معظمها، فكل القطاعات تعانى، وأدت المعاناة الى اغلاق العديد من المنشآت الاقتصادية، وتهالكت الأخرى، ويحتاج الأمر الى سياسات جديدة تمتد إلى سنين وليس شهورا، للوصول إلى هذا التغيير.