(1) استقر في وجدان جيلنا بعضاً من الحس والشعور، ، من خلال ألحانه ، و في إختياراته، في إبتسامته الودود، في مدى صوته، في قوة قناعاته، لم تبدله الأيام أو تأخذه التقلبات، ذاك هو استاذنا الفنان زين العابدين طه، رجل يشبه هذا الوطن، في بساطته ووافر خيره ولطف معشره.. تجده حيث تقتضي المواقف، يصدح صوته بين زخات الرصاص، وصوت المدفع، أو يتدفق حراً في الجلسات واللقاءات الوادعة أو ينساب في مدينتك الهدي.. ما أطيب عزفه وابلغ لحنه وأسمي إحساسه.. (2) للكثير من الحركيين سهم مخبوء وعطاء خفي، ولكن كسب زين العابدين طه من طينة خاصة، لقد اختار الإنشاد، مع ملكة عالية وإحساس مرهف وقدرة مميزة على التلحين، فهو سابق على غيره.. – فهو أميز من أحيا وسقي اشعار الإسلاميين وحببها للنفوس من الإنشاد، وبادر بذلك وأصبحت مدرسة لكل الفرق والمجموعات تنهل من غرسه، فهو عندهم جميعاً تلك النغمة اللطيفة (عم الزين).. – فتح باباً مجالاً مهماً في ناحية القدرة التعبيرية اللحنية، من الإنشاد الجماعي، إلى واحة متنوعة من الخيارات، فهو زمجرة وهتاف، وهو نداء وحداء للمواكب، وهو إعلاء للقيم والمباديء ودعوة لفضيلة وهو توثيق للشواهد والمشاهد.. فهو سنار موعدنا، وفتي أخلاقه مثل، وهو قسمات الفجر، وهو المدفع، وهو (يااختي) وهو على (خطي الشهيد)، وحتى (سنعود)، ذات العزم وتلك الإبتسامة على الوجه الوضيء، يأخذك معه في إستغراق لحنه وجزالة الكلمات وحسن المخارج وتعظيم المقام.. إنه مدرسة.. (3) ولد استاذ الزين بالعيكورة القرية الوادعة على ضفاف النيل، ونشأ في بيت محافظ ووالده داعية في الأوقاف وإمام مسجد وفي رحابهم خلوة لتدريس القرآن الكريم.. عاش بدايات صباه بعاصمة الجزيرة مدني، وغني على مسرح الجزيرة ولقبوه (أحمد المصطفى الصغير)، فقد كان يردد أغنيات الكبار، كما شجعه قامات من الموسيقيين والملحنين ومن الراحلين علاء الدين حمزة وود الحاوي، وتأثر كثيراً بالموسيقار عبدالماجد خليفة في (تواشيحه وإبتهالاته).. واختار طريق الأداء الرسالي،.. (4) قدم المبدع زين العابدين، نموذجاَ فريداً في ألحانه وإختياراته، وبدأ مع كلمات د. أمين حسن عمر (ابنة الدهقان)، وجسد منها خلالها قدراته التلحينية وملكاته التعبيرية، وحسن الإختيار: برّح الشوقُ بقلبي يا ابنة الدهقان صُبي قهوة مما تخبئ في دهاليز الزمان هاجسُ الشوق إستطالَ وإلى الأحباب مالَ مدنِف يهوى الجمالَ من قديم العهد كان هاجني الشوق وبرّح وأحتواني الصبر طوّح اشتهي في النور أسبح أستقي نبع الحنان منذ عهد الذرِ كنتُ مستهاماً مذ عَرفتُ كلما عاهدت صنتُ ليت قلبي ما يهان أسقني خمر المعاني واشفني مما أعاني فأنا واهٍ وعانِِ مثلما أنت تران أسقني روِّي مشاشي قهوة رقّت حواشي وأنا صاحي وغاشي آه من عين الجلال هذه الراح استنارت وهفت بالروح طارت اشرقت لما توارت نورها غشَّ البيان بإِِسمه الرحمن صلي باِِسمه المنعم جُد لي كل تهيامي وشُغلي عن كياني والمكان باِِسمه القدوس عُذت بِِإسمه المانع لُذت بِِإسمه الباسط حُذت كل خير في الزمان وجهه الزاهي صباحي كلمه الطيب راحي كل شربي وأمتياحي بأباريق الجنان وغني وابدع في (اماه لا تجزعي فالحافظ الله، إنا سلكنا طريقاً قد خبرناه) يقود نداء مواكب المسير لله على أجنحة مرفرفة واشواق سماوية.. واعطي كلمات احمد محمد صالح جرعة من الرقة والحيوية حين غناها في موال : فينوس يا رمز الجمال.. و متعة الأيام عندى لما جلوك على الملا.. وتخيروا الخطاب بعدى هرعوا إليك جماعة.. وبقيت مثل السيف وحدى استنجز الوعد النسيم.. وأسأل الركبان جهدى يا من رأى حسناء تخطر.. فى ثياب اللازورد لو كان زندى واريا.. لتهيّبوا كفى و زندى وابدع في إثراء الساحة الفنية بأغنيات الفداء للدين والوطن، فذلك أكثر إرتباطاً بقضايا الأمة وأكثر قرباً للوجدان والذوق السليم.. (5) في ذلك اليوم من العام 1983م، صعد المبدع زين العابدين، مسرح دار إتحاد طلاب جامعة ام درمان الإسلامية، بالموردة، وبدأت أنامله في عزف يسابق الإحساس ، وفجأة علا صوت احد الطلاب من خلفه، كان يهتف بهستيريا هذا باطل، سارعت إليه وأمسكت به، ومع حالته تلك كان الشيخ زين العابدين يواصل إنشاده (ياأختي ويا ذاتي.. ويا محبوبتي انتي).. وألتفت على قائلاً (قول ليه إن شاء الله ادخل الجنة قبلك)، لقد اخلص في مشروع فكرته دون كلل.. وهذا دأب المبدع زين العابدين طه، في ترحال موصول لجبر الخواطر والمشاركة في المناسبات َالافراح، وأمضي غالب حياته من نداء آخر، امثال الشيخ والأستاذ زين العابدين طه مدارس للعطاء يستحقون التكريم والتقدير.. حفظ الله (عم الزين) وبارك في غرسه وكسبه، وزاده من فضله ولطف به..