رأيت من الواجب على أن أستفيد من الزخم الذي أثرته مشكورا وأخرج من حالة الشخصنة إلى ساحة الحوار. هذه مقدمة لأطروحتي حول الحوار السوداني الداخلي. وأتمنى أن أرى طرحك بالمقابل. الصراع على السلطة دوما يظهر أسوأ ما فينا كسودانيين خصوصا مع حالة الاستقطاب الحاد التي أوصلتنا الى الحرب والموت وفتحت الباب واسعا أمام التدخل الخارجي في شئوننا الداخلية. وفي الواقع وصلنا إلى حالة من موت السياسة إلى الدرجة التي أصبحت الأحداث هي التي تقودنا جميعا وتحولنا إلى ردة فعل كسولة لا تنتج الحلول ولا المبادرات. وأظن أن حالتنا اليوم أسوأ بكثير من حالة (الثنائيات المدمرة) التي وصفها من قبل استاذي البروفسور التجاني عبدالقادر والتي أقعدت بلادنا منذ الاستقلال. فاليوم اصبح الوضع معقدا بصورة يلتفت فيها كل معسكر إلى داخله ويبدأ في تكميم الأفواه ورفع رايات الخيانة لأقل بادرة حديث منطقي حول القضايا الراهنة. وصل الاستقطاب الى درجة لا يفصل فيها بين مسارات القانون والسياسة ونصب الخصوم أنفسهم قضاة بدل القضاة في مسعى لتجريم الخصوم وإلغائهم تماما. وتصاعد هذا الخطاب الى درجة رفعت التكلفة السياسية عاليا وتحولت اللقاءات التلفزيونية وورش العمل وحتى المؤتمرات العالمية مثل مؤتمر القاهرة للحوار السوداني السوداني إلى مجرد أركان نقاش تعلو فيها الاصوات من أجل اثبات كل طرف أنه المالك للحقيقة والحل وأنه الاكثر وطنية من بين الخصوم, والحقيقة أن كل الاطروحات في الساحة لا تختلف كثيرا في العجز عن طرح الحلول وكلها مجرد اثبات موقف ورفع شعار. فحتى اليوم لم يتقدم طرف سياسي في السودان برؤية متكاملة حول الحرب وسبل ايقافها ومن ثم انهائها. كل واحد من الاطراف السياسية توقف عند تبيان موقفه من الحرب وتصوره لها ومن ثم رفع شعارا واحدا وتمترس خلفه وأفرغ جل همه بعد ذلك ليؤكد أن الطرف الآخر هو منبع الشرور. كل السودانيين يشعرون تحت وطأة الحرب الراهنة بكثير من الحزن والخوف؛ الحزن على ما وقع من ازهاق للأنفس ودمار للممتلكات وتشريد للأسر؛ والخوف من المستقبل المجهول الذي سيطل برأسه في مرحلة ما بعد الحرب. وقد يتضاعف هذا الخوف نتيجة لما تفرزه أجواء الحرب من خطاب الكراهية، والانقسام المجتمعي، والاصطفاف السياسي العدمي. وقتها يفقد الجميع الثقة في كل شيء، وبذلك تكون الحرب قد تحولت من المستوى العسكري إلى المستوي الاجتماعي، وإلى تمزق كارثي في النسيج النفسي المتسامح، والانزلاق في خطر انحلال الرباط الوطني الجامع، وهو ما يعني -في المحصلة النهائية- السقوط الكامل للقواعد المادية والاجتماعية والنفسية التي يقوم عليها الوطن. ولكي نتجنب مثل هذا المصير فلابد من تحديد دقيق وأمين للمخاوف- سواء كان خوفاً حقيقياً أو متوهماً، ثم العمل على ازاحتها لتعود الحياة الاجتماعية والسياسية إلى مسارات التعافي الوطني والتدافع السلمي. الدعوة للحوار السياسي هنا هي دعوة للخروج من حالة موات السياسة وإعادتها للعمل. هي ليست دعوة لتصالح السياسيين وجلوسهم على الطاولة بابتسامات صفراء ليعيدوا تقاسم الوطن سلطة وثروة. وانما دعوة للحوار حول الأسس والمباديء الوطنية التي تجعل الوطن فوق الجميع وتغلق الباب أمام أي تدخل خارجي مهما كان نوعه في شئون السودانيين الداخلية. ثم بعدها ننظر في الأسس التي تنقلنا من حالة الحرب إلى حالة السلم والاستقرار ومن حالة الصراع الصفري على السلطة إلى حالة التوافق الذي يسمح بفتح فرص لبناء وتأسيس مناخ حر للتنافس السياسي بعيدا عن أي وصاية من مال أو نفوذ أو سلطة أو سلاح. التوافق المطلوب هو الحالة التي تستطيع فيها كل الفصائل السياسية أن تمارس حقها السياسي دون الحاجة إلى حمل السلاح. هو أقرب الى المناخ الذي يمنح فيه الجميع فرص متكافئة للوصول الى السلطة دون وصاية من سلاح أو مال او نفوذ، كما يتم فيه ضمان أن الجميع سيكون ممثلا في السلطة المستقبلية بصورة تكون فيه مصالحه مدافع عنها ومحمية. حد الأساس هنا يمكن النظر إليه كإعادة تأسيس لقواعد اللعبة السياسية في السودان ووضع الأسس التي تتيح للجميع بعدها التعبير عن مطالبهم والدفاع عن مصالحهم دون أن يكون لديهم مخاوف بشأن تهميشهم أو السيطرة والوصاية عليهم. د. اسامة عيدروس script type="text/javascript"="async" src="https://static.jubnaadserve.com/api/widget.js" defer data-deferred="1" إنضم لقناة النيلين على واتساب مواضيع مهمة ركوب الخيل لا يناسب الجميع؟ أيهما أصعب تربية الأولاد أم البنات؟ جسر الأسنان هل تعقيم اليدين مفيد؟ الكركم والالتهابات أفضل زيوت ترطيب البشرة