الجميع يحب أن يردد أن الموظفين هم الثروة الحقيقية، لكنها في كثير من المؤسسات تبقى مجرد كلمات جميلة معلقة على الجدران. وعندما تدخل إلى أروقة تلك الأماكن، ترى الموظف متجهّم الملامح، يراقب الوقت في انتظار الخروج، بينما قلبه يبحث عن فرصة أخرى ينتمي إليها بصدق. ثقافة العمل الجاذبة هي الأكسجين الذي يتنفسه الموظف دون أن يدري. هي ليست اجتماعًا ملونًا أو حملة علاقات عامة، بل سياق يومي مليء بالتفاصيل: كيف يُستقبل رأيه مهما بدا بسيطًا، كيف يُحتفل بإنجازه مهما كان صغيرًا، وكيف يشعر أن الخطأ فرصة للتعلم لا سبب للعقوبة. حين يدرك الموظف أن مكانه يحميه، يصغي إليه، ويحترم جهده، يتضاعف ولاؤه بشكل لا يمكن شراؤه بأموال الدنيا. المؤسسات الذكية تدرك أن بيئة العمل الجاذبة هي أكبر استثمار طويل الأمد. هي التي تحتفظ بالكفاءات وتجذب مثلها دون إعلان مدفوع. بينما الأخرى، مهما بالغت في الرواتب والحوافز، ستجد نفسها تدور في حلقة مفرغة من تعيين واستقالة. الموظف ليس آلة؛ هو يبحث عن مكان يحقق له الأمان الداخلي قبل المكاسب المادية. حين يشعر أن كل قرار في الشركة عادل وواضح، وأن قيادته ترى فيه إنسانًا قبل أن ترى فيه أرقام الأداء، سيقدّم أقصى ما عنده دون خوف أو تردد. الكارثة أن بعض الشركات لا تدرك خطورة إهمال بيئتها إلا متأخرًا، عندما يكثر الغياب، وتقل الإنتاجية، وتبدأ السمعة في السوق بالتآكل. والأسوأ أن تُصاب فرق العمل باللامبالاة، فتضيع روح المؤسسة وتبهت ألوانها. وأخيرًا، لا تنتظر أن يسعد موظفوك تلقائيًا أو أن يبنوا انتماءهم من فراغ. ثقافة العمل الجاذبة هي التي تزرع فيهم الطمأنينة، وتعطيهم مساحات للتعبير والنمو، وتجعلهم يثقون بأن ما يبذلونه لن يضيع. حين تمنح موظفيك بيئة عادلة، تُقدّرهم وتسمعهم وتحتوي أخطاءهم، عندها فقط ستقطف ثمارًا من ولاء صادق وأداء مذهل وسمعة قوية لمؤسستك في السوق. تلك هي خلاصة الأمر: الموظف السعيد يولد في مكان يشعر فيه بالأمان، فيظل يمنحك من قلبه قبل جهده. سلوى حسين الباكر – الشرق القطرية