ابن قريتنا سيف الدين شاب في مقتبل العمر ، ترك الدراسة مبكراً لظروف أسرته ،ومضحياً من أجل أن يبقى بجانب والده الكبير في السن كادحاً ومكافحاً من أجل لقمة العيش ، توفي والده وبقى عائلاً لشقيقاته ووالدته بجانب أطفاله الثلاثة " زغب الحواصل " ، رضي " السيف " بقضاء الله وقدره بعد فقد والده و توكل على الله وحمل " طوريته " ليفلح أرضه كحال أهلنا الغبش ، بدأ السيف يزرع بعض الخضروات التي تدر له دخلاً يكفيه هو وعائلته ، فكان " يجلب " ما يجنيه من خضروات إلى سوق القرية ، ويرجع حامداً شاكراً مكتفياً بتوفير قوت يومه . أراد " السيف " أن يتوسع قليلاً في مساحة زراعته حتى يستطيع أن يوفر " بعض " ما يكفيّه لنوائب الدهر وظروف الحياة وتقلباتها في زمان الكل مشغول " بنفسه " ، إستدان " السيف " مبالغ ليست قليلة وإستغلها في تحضير الأرض و مصروفات التقاوى والري والأسمدة ، وزرع مساحة لابأس بها من شتى أنواع الخُضر كالطماطم والبصل والجرجير وغيرها من التي تجد رواجاً وعائداً سريعاً بسوق القرية ، نبتت زراعته وقُربت أن تأتي أُكلها .. ماذا حدث ؟ إستيقظ " السيف " في صباح مبكرِ كعادته وذهب إلى مزرعته وهو هاشاً باشاً ممنيّاً نفسه بمشاهدة زرعه تتفتح أزهاره وتقوى ساقه ، فإذا به يجده هشيّماً تذروه الرياح و" أحواضه " التي سقاها بعرق جبينه صحراء جرادء قاحلة ! طحن " الجراد " كل شيء وأزال كل ما بظاهر الأرض من خضرة و إخضرار ، وضع " سيف الدين " معوله من على كتفه وافترش الأرض حائراً مذهولاً يفكرّ في " الديون " المتكومة على ظهره !! رفع يديه إلى السماء يشكو ضعف قوته وقلة حيلته وهوانه على الناس . " فاجعة " السيف وأقسى منها تكررت في معظم قرى أهلنا الغبش بالولاية الشمالية الذين تضرروا من كارثة " الجراد الصحراوي " الذي فاجأ المسؤولين كما درج أن يفاجئنا الخريف و العيد وطائرات إسرائيل و" السمايه " وقوات خليل ماعدا الإستعداد و" الحشد " للتصويت !! هاتفني في خضم " الكارثة " واحد من أهلي " الغُبش " وهو يصف حالهم " المعلق " بين خطوط هواتف المحليّة والزراعة ليلحقوهم " بالطائرات " حدثني والألم يعتصر قلبه متسائلاً ( ألايمكن للسلطات أن تقضي على هذا الجراد في الخلاء وهو في طريقه إلينا قبل أن يصل الى المزارع ليقضي على الاخضر واليابس ؟ ) ، قلت له مخففاً عن مصيبته يا أخي لو كنا " بنقضي " على الآفات في الخلاء قبل وصولها لقضينا على " قوات خليل " !! تحولت نبرة صوته من حسرة إلى " ضحكة " ساخرة . لماذا معظم أمورنا " جايطة " على مستوى المسؤولين أو المواطنين ، تجد البعض يسأل أهل البيت عن مقتنياته " الشخصيّة " ،فعادي جداً أن تسمع في البيوت السودانية من يقول لإبنه أو بنته ، وين فرشاة الأسنان ؟ أو أين وضعتم السروال ؟ دون ترتيب أو نظام أو تخطيط ، وأكيد أن هؤلاء المسؤولون لم يهبطوا من " السماء " هم من نفس البيوت التي تسأل عن مشطها أو جلبابها أو ماهو أكثر " خصوصيّة " ! لاشك أن بعض الكوراث قد تكون أكبر من إمكانيات الدول ، ولكن الدول لاتضع يدها على خدها وتتعلل بعدم الإمكانيات ، ولوسألنا سؤالاً مشروعاً هل لدينا ( مركز لرصد الجراد والآفات ؟ ) كما هو موجود في كل بلاد الله وهل نحتاط لهذه " الكوارث " بما استطعنا من رباط الخيل ، أم أننا نسأل على وزن ( الطيارات والمبيد ختيتوها وين ) ؟ كان بإمكاننا " التقليل " من هذه الخسائر أو تفاديها والتي جعلت الموسم الزراعي في ( خبر كان ) وذلك بقليل من الاستعداد " المبكر " بدلاً عن هذا " التخبط " ، وعلى بعض المسؤولين أن يساعدوا المواطن " شويه " بالصمت وعدم التصريحات المتضاربة من شاكلة ( الجراد تحت السيطرة ) ثم بعدها ( الجراد أكبر من إمكانياتنا ) طيب يا اخي الكريم إنت قلت تحت السيطرة مستندأ على ياتو ( إمكانيات ) ؟ نحتاج فعلاً لإستراتيجية وتخطيط وترتيب وتعامل " بجدية " مع قضايانا بدلاً أن نقول " الطائرة حا تصلكم بعد يومين " مما يجعل " المزراع " البسيط من أمثال (سيف الدين ) لايملك غير أن يقول ( عيش ياجراد لمن تجيك الطيارة ) !! بقلم : محمد الطاهر العيسابي كاتب صحفي ومدّون