يتوالى التزاور بين البلدين الشقيقين السودان ومصر على اعلى المستويات ودونما انقطاع في الاسابيع والاشهر الماضية للتشاور والتداول حول التداعيات والتطورات المحتملة قبل وبعد صدور قرار قاضيات المحكمة الجنائية الدولية، وبعد ان انقضى ماراثون القبل بصدور القرار، انطلق الآن سباق البعد، وها هي الخرطوم تستقبل اليوم وزيري الخارجية أحمد أبو الغيط والمخابرات اللواء عمر سليمان. وحسب البرنامج المعلن للزيارة فان ابوالغيط وسليمان سينقلان رسالة الى الرئيس البشير من الرئيس مبارك تتعلق بالعلاقات الثنائية وسبل احتواء قرار الجنائية الدولية بتوقيف البشير. ويبدو ان الزيارة ستركز هذه المرة على تنسيق المواقف بوضوح حتى يتسنى الانسجام في مقبل الايام، اضافة الى تجاوز سوء الفهم الذي نتج عن دعوة مصر الى مؤتمر دولي بشأن السودان ورفض الحكومة السودانية لذلك بسبب عدم وجود اتفاق بينهما بهذا الصدد، ويقول مراقبون ان بعض التنافر يشوب مواقف البلدين في ما يتعلق بحل معضلة الجنائية، حيث ترفض الخرطوم جملة وتفصيلا اي حديث عن التعامل مع المحكمة بينما تقف القاهرة على النقيض وترى ضرورة التعاطي مع المجتمع الدولي في ما يقول. ونتوقف هنا عند ملاحظتين ، الاولى ابداها خبير دبلوماسي عربي لصحيفة الشرق الاوسط حول النهج الرسمي المصري فحواها »إن مصر طوال عمرها هكذا.. لا ترفض قرارا دوليا ولا تتصادم معه لكنها تحاول التعاطي مع تعقيداته قدر الإمكان، وسبق أن فعلت ذلك مع ليبيا حين كان النظام الليبي يواجه أزمة لوكربي، لقد التزمت مصر بكافة القرارات الدولية حرفيا، لكنها كانت تتعامل معها بمرونة شديدة، وكان المجتمع الدولي يبادلها ذات المرونة، وقبل ان نذهب الى الملاحظة الثانية نستعيد حديث البروفيسور حسن مكي الذي كان قال في حديث سابق له مع الصحافة ان المصريين لديهم رؤية باستخدام الديبلوماسية ومصر قوى عظمى في المنطقة منذ خمسة آلاف سنة. الملاحظة الثانية سجلها رئيس تحرير صحيفة ايلاف الدكتور خالد التجاني حين اشار الى ان التطور الاكثر اهمية منذ صدور قرار الجنائية المستجدات التي طرأت علي العلاقات السودانية المصرية، وما بدا انه تباعد في المواقف بين الطرفين من المؤكد سيلقي بظلال كثيفة علي التطورات المقبلة، وظهرت هذه الحالة الى العلن عندما بدا ان كلا من الخرطوموالقاهرة فضل التعاطي مع الملفات الساخنة عبر وسائل الاعلام بدلا عن قنوات الدبلوماسية التي ربما تكون قد ضاقت فخرجت المواقف الى العلن فأحدثت زلزالا سياسيا، ويشير التجاني الى ان رد الفعل السوداني الساخن على الهواء مباشرة علي المبادرة المصرية لعقد مؤتمر دولي بشأن السودان يشير الي وجود اختلاف عميق في وجهات النظر بين العاصمتين بشأن التعاطي مع أزمة الجنائية، وخرج الخلاف الى العلن بعدما اعلنت الخرطوم بوضوح بعد صدور القرار اختيارها خط المواجهة مع القوى الغربية، وهو ما يتعارض بشدة مع السياسة المصرية التي استقرت علي استبعاد المواجهة في سياستها الخارجية. وتتيح لنا الملاحظتان طرح السؤال حول كيفية التوفيق بين موقف السودان الرافض حتى مجرد الحديث عن تأجيل القرار لمدة عام وبين ما هو مذكور عن مصر وانها )لا ترفض قرارا دوليا ولا تتصادم معه(، في رده يبدأ القيادي بالمؤتمر الوطني الدكتوراسماعيل الحاج موسى بالتنبيه الى محاولات بذر الفتنة ودق اسفين بين البلدين، مؤكدا ان العلاقات بين السودان ومصر ممتازة جدا وهم يأتون الينا ونذهب اليهم، و( المقصود بمثل هذا الحديث هو الوقيعة بين البلدين). مشيرا الى ان مصر بلد كبيرة ولديها مشاغلها واعباءها ومسؤولياتها ولا تضيع وقتها اذا لم تشعر ان هناك فائدة بالنسبة للسودان بجهدها الذي تبذله و بانه سيصل الى غاياته فلن تبذله (واذا لم يكن الامر كذلك لن يأتي مسؤولان كبيران من هذا المستوى عدة مرات للسودان)، ليمضي في حديثه معي عبر الهاتف امس الى القول ان السودان لم يطالب في يوم من الايام بالارجاء وموقفه واضح منذ ان كان الموقف خاصا احمد بهارون وعلى كوشيب ، واستوقف الحاج موسى في ان الخرطوم سكتت على تحركات اصدقاء وحلفاء بما يشبه الرضاء فيقول (الخرطوم سكتت عليهم لانهم اصدقاء وحلفاء ولم تقف في وجه مجهوداتهم لتفعيل المادة 16 ولم تعترض على خطواتهم لانها لا تريد احراجهم اذا ارادوا ارجاءها فليرجئوها والموقف الرسمي هو عدم الاعتراف بالمحكمة وقرارها لجملة اسباب( من جهته، وبعد ان يلفت الانظار الى ان هناك خطبا ما وراء الكواليس، وبعد ان يؤمن على ان المواقف المعلنة والتحركات المكوكية المتبادلة في الآونة الاخيرة والتصريحات الاعلامية كانت تشير كلها الي ان التوافق بين الطرفين هو السائد وان التنسيق بينهما يجري علي اعلى المستويات. يطرح الدكتور التجاني جملة اسئلة ويقول (كيف ستؤثر هذه المستجدات على العلاقات السودانية المصرية، والخلافات التي برزت الى العلن على الجهود الرامية لاحتواء أزمة الجنائية، وما اذا كان ذلك سيؤدي الى احداث شرخ او تصدع في التحالف العربي الافريقي القوي الذي تستند اليه الخرطوم في خوض معركتها الدبلوماسية في المحافل الدولية، وهل سيؤدي ذلك الى موجة جديدة من الاستقطاب بين الدول العربية خصوصا تؤدي للاضرار بالقضية السودانية؟). ولكن الحاج موسى يرجع الحديث عن ضبابية او تباعد بين البلدين الى انه حديث مقصود به دق اسفين بين السودان واصدقائه مشككا في مصدره، وقال اشك في انه تحرك امريكا وفرونسا وبريطانيا والمحكمة الجنائية ويقلل من رفض السودان للمؤتمر الدولي الذي نادت به مصر ( فهذا طبيعي ولا شئ فيه واذا اقترحنا الى مصر شيئا من الممكن ان ترفضه) مشددا على ان هذا كله التخرص، ناصحا ان ينظر الناس الى نصف الكوب الممتلئ.