رأي عليّ إن لاقيتها ضرابها خليفة السمري - المحامي ورد في صحيفة الشرق الأوسط أن البيت الأبيض وضع جدولا لرفع العقوبات عن السودان خطوة بعد خطوة، اعتمادا على تنفيذ حكومة الرئيس عمر البشير خطوات معينة، مع الاستمرار في التهديد بالتوقف إذا رفض البشير تنفيذ هذه الخطوات،وبحسب هذه المصادر، سيبدأ التطبيع بمبادرة من الرئيس أوباما برفع الحظر «في الحال» عن تصدير معدات زراعية إلى السودان، وكانت حكومة السودان قالت إن الحاجة لها ملحة للمساعدة في خطة تنمية زراعية واسعة. وسيعتبر أوباما هذه المبادرة «هدية، من دون أي شرط أو قيد». ثم ينتظر أوباما حتى يتم الاستفتاء، ويعترف البشير بنتائجه. بعد ذلك، سيصدر البيت الأبيض بيانا برفع الحظر على بقية الصادرات الأميركية إلى السودان. لكن، لن يشمل ذلك النفط، انتظارا لخطوات أخرى من البشير،وفي حال اختار الجنوب الاستقلال، واعترف به البشير، سينتظر أوباما ليتأكد من أن البشير سيوقع على حدود معترف بها بين الدولتين، وسيوقع على اتفاقية حول تقسيم ثروة النفط، وسيتعهد بعدم التدخل في شؤون الجنوب. في ذلك الوقت، سيعلن البيت الأبيض إرسال سفير إلى الخرطوم. ثم يبقى حل مشكلة دارفور «بما يرضي الأطراف المعنية». إذا تحقق ذلك، سيعلن البيت الأبيض تطبيع العلاقات تطبيعا كاملا، ويلغي كل قوانين المقاطعة. وليس لنا أمام شروط الإذعان هذه سوى أن نقول: من يهن يسهل الهوان عليه «والتور إن وقع كترت سكاكينو» كما يقول مثلنا الشعبي،فالتطبيع الأمريكي الرسمي سيبدأ في الحال برفع الحظر عن تصدير معدات زراعية للسودان،والأغرب في الأمر ما نسبته الصحيفة إلى الحكومة من القول بأنها صرحت بأن الحاجة ملحة للمساعدة في خطة تنمية زراعية واسعة، وكأني بمعدات الزراعة أصبحت أيضاً سلاحاً نووياً لا تجوز حيازته إلا بموافقة أمريكا،وكأن روسيا والصين والهند وجميع دول العالم لا تزرع زرعها ولا تحصد ثمرها إلا بالمعدات الأمريكية، فهذه المعدات الموعودة هي حلاوة التطبيع «هدية» ثم بعد ذلك تقترب أمريكا من الحكومة بمنهجية خطوة ثم خطوة وفقاً لاستجابة الحكومة لشروط الإذعان المهينة التي على رأسها قبول تفتيت البلاد، فإذا تجرعنا كأس المهانة حتى حبحب الخمر فإن أمريكا ستكمل نشوة التطبيع هذه بإرسال سفيرها إلى الخرطوم،وعلىَّ إن لاقيتها ضرابها. هذه هي أمريكا عهدنا بها دوماً أنها تملي على بلاد السودان شروطها في ظل النظم الشمولية،فعلت ذلك على أيام عبود وقصة المعونة معلومة للجميع ، وفعلت ذلك على أيام نميري وقصة الفلاشا على الناس ليس بخافية ،وها هي تراود الإنقاذ عن نفسها فلم تكتفِ بالتعاون الأمني لمكافحة ما يسمى بالإرهاب وإنما تريد منها المزيد ،لكنها أبداً ما استطاعت أن تعبث بكرامة الأمة السودانية في ظل النظم التعددية البرلمانية التي سادت البلاد لفترات قليلة،ذلك أن النظم البرلمانية تحصنها شفافيتها من مقارفة الدنيئة ،وتحميها من التورط في المحظور موازنات القوة والمعارضة الفاعلة،وهذا يدعونا للقول أنه لا مخرج لا للبلاد ولا للإنقاذ إلا في بسط مزيدٍ من الحرية والديمقراطية وإلا أنها ستكون عرضة للابتزاز بقدر ابتعادها عن التعددية والشفافية، وأظن أن قيادتها أدركت أنها تورطت في الخطل يوم أن ذهبت إلى نيفاشا بمعزل عن التنظيمات السياسية الأخرى وكان الحصاد حصرم السلام الواهن الذي عرض وحدة البلاد للخطر والتفتت والتشرذم. إن مؤشرات الرأي وكل القياسات التي أجريت بشأن الاستفتاء ترجح حتى الآن انفصال الجنوب،وإذا كانت الغالبية حتى داخل المؤتمر الوطني نفسه أيقنت بأن خاتمة مطاف السودان ذاهبة نحو التقسيم بسرعات جنونية،إذا كان كل ذلك كذلك فما هي مغريات التطبيع الذي تطرحه أمريكا الآن،وهل من مبرر لرهن إرادة البلاد للأجنبي لقاء أمر تبشرنا أمريكا بأنه من باب تحصيل الحاصل «الانفصال»، أمريكا التي وقفت سداً منيعاً أمام أي تطور ديمقراطي في السودان تريد اليوم أن تبشرنا بأن سلام السودان ونمو السودان ونهضة السودان شمالاً وجنوباً منوطة بقبولنا لشروطها،وللأسف لقد صدق النائبان السيدان علي وكير هذه الفرية فطارا إلى ما وراء البحار ملتفتين عن الدعوى بالحسنى التي بشرت بها بعض القيادات السودانية لمناقشة كافة أزمات السودان بدءً بالانفصال المتوقع وانتهاءً بغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، فلم يجدوا أذناً صاغيةً، لكنها سياسة العصا والجزرة الأمريكية، والترهيب والإغراء على نحوٍ يفقد العقول رزانتها ،وينسى اللبيب أن له ذهناً كان ينبغي أن يتفتق ليبدع حلولاً لمعالجة المشكلات، فيوم غد الأربعاء سيجتمع السيدان كير وعلي على مأدبة الأمريكيين التي تدس السم في الدسم، لا لتسم أشخاصاً وأفراداً ولكنها لتمزق أوطاناً وبلادناً،يساعدها في ذلك ضعفنا وهواننا على أنفسنا وعلى الناس جميعاً، فاليوم أمرُ وغداً علم، فأمريكا كما قال العارفون تريد في ظاهر أمرها سلاماً وأمناً وأماناً وانفصالاً سلساً بلا توتر ولا حروب، لكنها في الحقيقة دولة برغماتية في كل أمرها وشأنها، تدور مع مصالحها أينما دارت بها، ودليل ذلك أنها تدعم نظماً دكتاتورية في أفريقيا وفي منطقة الشرق الأوسط بل في العالم قاطبة ولا يمنعها من ذلك ما ينعم به شعبها من ديمقراطية داخلية لا ينكرها إلا مكابرُ صلف أو ظنينٌ مجافٍ للحقيقة، فالكل يعلم أن أمريكا كادت لديمقراطية السودان أيما كيد،وطاءها في كيدها هذا أهل جوارٍ لنا لا يريدون لبلدٍ مثل السودان أن يكون كلمةً شاذة في الإقليم العربي تجلب عليهم عدوى مرض اسمه الديمقراطية، وهذا ما يجعلنا لا نؤمل خيراً في رعاية أمريكا للمحادثات الجارية الآن بين الحكومة والحركة الشعبية بشأن مسائل الاستفتاء والديون والحدود وغيرها من المشكلات العالقة، بل تذهب بنا الظنون إلى القول بأن رعايتها لهذه المفاوضات قد تجلب على البلاد ضرراً بالغاً خاصةً إذا ما انطوى الأمر على صفقات سرية على النحو الذي درجت عليه أمريكا وأجهزة مخابراتها في تعاملاتها مع دول العالم الثالث التي تنقصها الشفافية والديمقراطية،لذا نقول أجدر بالسيدين علي وكير أن يتلمسا حل إشكالات البلاد وكافة المسائل العالقة بتوسيع ماعون المشاركة الفاعلة،بحيث تسع جميع أهل السودان ولا تستثني منهم أحداً، فإن كان من بين أهل الشمال من يختلف مع المؤتمر الوطني في رؤاه ،فإن من بين أهل الجنوب أيضاً من يختلف مع الحركة الشعبية في رؤاها وتصوراتها لمستقبل البلاد،فيجب ألا نحقر من المعروف شيئاً وكما يقولون النار من مستصغر الشرر،وفي الختام لن أكون مغالياً إذا ما قلت إن أمريكا لا تريد خيراً للسودان ولا لدول العالم الثالث قاطبةً، فجديرٌ بالنابهين الذين يريدون خيراً لبلدهم وأهلهم أن يقفلوا راجعين منها لا ليعروا سوءات بعضهم ويتنابذوا بالألقاب بل ليوسعوا الماعون ويناقشوا كافة قضايا البلاد صغيرها وكبيرها في مؤتمر جامع يتجاوز الأشخاص ومصالح الأشخاص ويكون حاديه مصلحة البلاد والعباد تهديه إلى سبل التوفيق والسداد،وبغير ذلك فليس لدي ما أقوله سوى ما قالت زرقاء اليمامة : إني أرى شجراً يسير ،والله ولي التوفيق وهو الهادي إلى سواء السبيل. الصحافة