هناك فرق أوجاع معنوية ..! منى أبو زيد كان لهارون الرشيد طبيب نصراني، سأل معاصريه عن مكان الطب من القرآن والسنة فقالوا : لقد جمع القرآن الطب في نصف الآية (كلوا واشربوا ولا تسرفوا...).. وجملة من حديث (المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء) فقال (لم يُبق قرآنُكم ونبيُّكم شيئاً من طب جالينوس) الطبيب اليوناني الأشهر-.. معظم أمراض العصر المزمنة مثل داء السكري وضغط الدم وأمراض القلب... إلخ التي أثبت الطب الحديث أن أسبابها المباشرة تدخل في معنى (ولا تسرفوا) متفشية عندنا.. وسبعون بالمائة من أصحاب الأمراض المزمنة في السودان يسافرون إلى الأردن لتلقي العلاج! التفسير الظاهر والمتفائل لهذا التقرير هو أن ثلاثين بالمائة من مرضى الأمراض المزمنة بالسودان يفضلون العلاج محلياً.. بينما التفسير الواقعي هو أن الذين يسافرون طلباً للعلاج في الأردن هم الفئة القادرة أو المستطيعة مع المشقة، بينما يبقى غير المستطيعين مُكرهين لا أبطال! لا شك أن التشخيص والعلاج المتطور هما ضالة مرضى السودان الذين يشُدّون الرحال طوال العام إلى الأردن.. إنما يبقى تطوير (سلوك الطبيب) نفسه في التعامل مع المرضى هو ضالة مرضى السودان الكبرى .. المريض السوداني يشُد الرحال إلى الأردن وهو على يقين تام بكفاءة الطبيب السوداني، وبأن معظم الأخطاء الطبية المحلية لا تحدث عن قلة خبرة أو معرفة.. ولكنها ظروف العمل ذلك المشِجب الملعون! وهوعلى يقين - أيضاً - من أن ما يظنه ويحسه هو كمريض ليس على قائمة أولويات مواطنه السوداني - المتضرر دومًا من ظروف العمل - بعكس الطبيب الأردني الذي يعلم جيداً مقومات نجاح السياحة الطبية.. أباطرة الطب يقولون إنه ما من حقيقة جازمة في الطب.. وفقهاء القانون الطبي يقولون بأنه ليس علماً منضبطاً.. فبينما قد تحدث مضاعفة معينة لدى مريض إثر إجراء جراحة ما، قد لا تحدث ذات المضاعفة لدى مريض آخر أجرى ذات الجراحة على يد ذات الطبيب وفي ذات الظروف.. لذلك تجد أن القانون الأمريكي مثلاً يفرض مبدأ (الإذن المبني على العلم الكامل).. يعرض على المريض كافة المعلومات المتعلقة بالإجراء الطبي قبل الشروع فيه بما في ذلك المضاعفات التي قد تترتب عليه قلت أو كثرت .. بينما ترك القانون الطبي البريطاني الأمر لتقدير الطبيب.. هو الذي يحدد ما يتعين شرحه، بحسب تقديره لمستوى وعي مريضه بالمسائل الطبية والصحية.. لكن هذه المسؤولية التقديرية لا تعني أبداً تجاهل أسئلة المريض.. فالعمل على تبديد شعور المريض بالقلق أو الخوف جزء من واجب الطبيب.. أين يقف سلوك الطبيب المحلي - عندنا - بين هذا وذاك ؟!. ألا يحتاج هذا الأمر إلى (وقفة) ؟! التيار