حديث المدينة عُواسة الوزير..! عثمان ميرغني في حوارٍ صحفي مع \"الشرق الأوسط \" اللندنية قال الأستاذ علي محمود وزير المالية إنه بعد اختياره وزيراً للمالية وجد وارداتنا تسعة مليار دولار.. منها مليار دولار للسيارات (فأمر بإيقاف استيرادها).. ومليارين للقمح ومائة مليون زيوت ومثلها للأثاث .. ومثلها لألعاب الأطفال.. وقال إنه أوقف كل ذلك.. وحتى هنا يبدو الألم أخفّ.. لكنّه أكمل حديثه بمطالبة الشعب السوداني بالعودة ل(الكِسْرة) و(العُواسة).. تخيّلوا..!!! ما قاله الوزير ليس جديداً.. سبقه إليه الرئيس الأسبق النميري..عندما جاع الشعب بسببِ سياسات النظام الإقتصادية.. ولمّا وصله صراخ الشارع كان حلّه في خطبته الشهيرة التي نطق بها في منصة مجلس الشعب (منْ كان يأكلُ ثلاث وجبات.. فليأكل وجبتين.. ومنْ كان يأكل اثنتين فليأكل واحدة..) و للذمّة لم يقل من كان يأكل واحدة.. فليمتْ جوعاً وقهراً. وكانت تلك آخر ما نطق به النميري قبل أنْ يَطْويه الشعب طي الكتب.. ويضعه في الأرشيف.. والآن وزير المالية يُطالب الشعب ب(العُواسة).. ورغم أنّ (الكسرة) حالياً أغلى من الخُبز.. لكن بصراحة .. تصريحات وزير المالية حيّرتني للغاية.. نعم أفهم أنّه يقصد أنّ انكماش الإيرادات البترولية المتوقّع إذا انفصل الجنوب.. يتطلّب انكماش الاستيراد.. لأن الاستيراد يستنزف العملة الصعبة.. لكنَّ مثل هذه السياسة لا تحل المشكلة، بل تُعّقدها. فهي أشبه بمن يهرب من حيوان مفترس .. دون أن يتبصّر في أي اتجاهٍ يهرب..فقد يقع فيما هو أسوأ منه.. لماذا لا ننتظر المستقبل بزيادة الموارد .. نحن دولة تنوم فوق تلال من الموارد المُهملَة .. ولنا كوادر خبيرة في كل مجال.. فلماذا نهرب في اتجاه الغابة بدلاً من الخروج الى فضاء الحياة العصرية الأكثر ملائمة للعصر.. في يد الدولة أنْ تلتزم بسياسات تنمّي القدرات الذاتية للبلاد.. تنسحب الحكومة بأوفر ما تيسر من التجارة والأعمال وتترك المجتمع يُدير حاله.. ذلك يوفّر المال المبذول في الجهاز البيروقراطي للدولة كما يُحفّز الأعمال لأن القطاع الخاص أكثر قدرة ومرونة على العمل.. وفي يد الدولة أن ترخي حبال الجبايات والرسوم.. لتطلق عقال العمل الحر والتنافس الشريف.. وفي يد الدولة أنْ تُمارس سياسة كبح الفساد.. ذلك الغول الذي يلتهم كل موارد الدولة ويجعلها في مقام المثل الشعبي ( تأكل أكل السُوسة.. والعافية مدسوسة) .. فالفساد هو البئر (السايفون) التي تبتلع مواردنا وتُجفّف حالنا الاقتصادي . وفي يد الدولة أنْ تمارس (رشد السياسة.. وسياسة الرشد) التي تطفئ الحرائق في دارفور.. ذلك المارد الذي يلتهم كل أموالنا .. إنّ ما نوفّره بالسلام في دارفور في عام واحد .. يبني السودان سبعة أعوام.. كل تلك السبل تؤدى لتثبيت دعائم سودان جديد يتخطى عقبة الانفصال وينطلق لفضاء جديد.. لكن إذا كان الوزير يُخطّط للعودة بنا لمربع (الكسرة).. و(العواسة) .. فإنّه يقرر مع سبق الإصرار والترصد أنْ يسير عكس تيار التاريخ.. أن يهرب من الغزال ليقع في حضن الأسد. التيار