رأي جواهر الكلام في منبر الإمام (2) الاعتزال السياسي أو المواجهة كان ذلك في القاهرة بعد منتصف التسعينيات والمعارضة في غمرة نشاطها وقوات من الجيش السوداني وقوات الحركة الشعبية في سجالات عنف على الحدود الشرقية لاتنقطع ، كان الامام الصادق جالسا في مكتبه بمدينة نصر مهموما كعادته بحال الوطن . قال لي رغم أننا نعارض هذا النظام إلا ان أشد مايؤلمني هو سفك الدماء وانكسار الجيش الوطني في هذه الدورات من العنف لأن ذلك يضر بأمن البلاد في المستقبل. كان هناك خبر مفاده أن الجيش الشعبي قد تمكن من قتل وأسر جنود والاستيلاء على دبابات وأسلحة وعتاد من موقع للقوات المسلحة على الحدود الشرقية . أدركت حينها ان الإمام ينظر إلى أشياء لم يكن يراها البعض من المتحمسين للمواجهات من الطرفين في الحكومة والمعارضة ، وهو مانشاهد آثاره اليوم من نتائج . وبعد جنوح للسلم بين الحكم والمعارضة ، والعودة إلى الوطن ومساجلات لم تنتهِ بين إصرار الحكام على مسلكهم وتجاهل لدورالمعارضة الوطنية التي يمثلها الامام إزاء مايواجهه الوطن من مخاطر محدقة ، ورغم سيل المبادرات التي اطلقها الإمام دون سعي لمشاركة في سلطة مهداة بغير حقها ، ومع تواتر السنوات ، كأن الأمور توشك ان تعود إلى مربعها الأول وهذا مايخشاه الحادبون على هذا الوطن . ففي منبره الشهير منبر الصحافة والسياسة وهي السنة الحسنة التي أنعش بها الإمام قدرات التفكير الوطني وشحذ بها همم النخبة إلى قضايا وطنهم حدد المهدي خيارين لاثالث لهما بعد مجاهدات وابتلاءات وصور ومشاهدات ومبادرات تلو مبادرات ،وصبر على البلاء ، وهما خياران يحملان احساساً صادقاً بما تتجه إليه البلاد من عواقب وخيمة. وحدد الامام الصادق المهدي ملامح الصورة التي يعكسها الوضع السياسي للبلاد وهي تواجه أخطر مصير لها ببتر جزء كبير من جسمها نتيجة أخطاء سياسية وهفوات سلطوية ارتكبتها حكومة الانقاذ على ركام من الأخطاء التاريخية السابقة عجلت بهذا المصير . ورغم ان تقرير المصير بالنسبة لجنوب السودان قد ارتضته جميع القوى السياسية وفق أولويات وضوابط تم الاتفاق عليها في مقدمتها الوحدة في وطن ديمقراطي تقوم فيه الحقوق على المواطنة ، إلا ان الطريقة التي صيغت بها اتفاقية نيفاشا بصورة منفردة ، وتدخل الأجانب من نافذة الخوف بعد تداعيات أحداث سبتمبر مع حرص الشريكين على إقصاء جميع القوى الوطنية لمكاسب سياسية فضلا عن أخطائهما وتشاكسهما مع انعدام الثقة بينهما كان لابد ان يقود كل ذلك البلاد إلى التمزق الحتمي . هذا ماخاطب به الامام ضيوفه في منبر الصحافة والسياسة بمنزله وهو يوقع كتابه الجديد «ميزان المصير الوطني « وقد بلغ به اليأس من عنت الحكام وحال الوطن مبلغا لايدرك كنهه إلا العالم ببواطن الأمور المشفق والمدرك للمآلات قال : « أخواني وأخواتي أبنائي وبناتي ضيوفنا الكرام من سياسيين ودبلوماسيين وإعلاميين ومواطنين: أشكركم على تلبية دعوتنا وأقدم لكتابي الأخير بالآتي: 1- اتفاقية سلام نيفاشا 2005م وعدت بجعل الوحدة جاذبة ولكن 4 عوامل فيها جعلت الانفصال جاذبا: * تقسيم البلاد على أساس ديني- بروتوكول ميشاكس. * تخصيص 50% من بترول الجنوب للجنوب جعل الانفصال جاذبا لينال كل بتروله. * حصر الشراكة في حزبين على طرفي نقيض آيديولوجيا فانعكست الجفوة بينهما على علاقة الشمال بالجنوب. * اكتسب المؤتمر الوطني جفوة دولية قل أمريكية، والحركة مودة دولية. 2- انتخابات أبريل 2010م كرست هيمنة المؤتمر الوطني على الشمال، والحركة الشعبية على الجنوب. ونتيجة للمساومة الحزبية صار قانون الاستفتاء وتكوين المفوضية غالبا في يد الحركة الشعبية. والآن أكثر من 95% من الذين سوف يصوتون في الاستفتاء مقيمون في الجنوب. وإدارة الاستفتاء تتبع مكتب الاستفتاء الجنوبي ومع انحياز الحركة الشعبية للانفصال فإن الانفصال تحصيل حاصل. 3- لقد عُزلنا من اتفاقية السلام بل من الشأن الوطني بإرادة الشركيين ومباركة الأسرة الدولية وقبلت كل التطورات رغم عيوبها بحكم الأمر الواقع وتجنبا للحرب وكل محاولاتنا لاختراق الآحادية والثنائية بنهج قومي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أخفقت. ونفس المنطق القديم يلزمنا بقبول الاستفتاء القادم رغم العيوب. 4- إثارة الغبار والطعن الدستوري حول الاستفتاء مع مناخ المواجهة الموجود حاليا غير مجد بل يزيد من عوامل الاحتراب. 5- عوامل ترجيح الانفصال المشار إليها هنا تعني قبوله سواء كان عن طريق استفتاء معيب أو عن طريق تراض سياسي. 6- انفصال الجنوب سوف يغير المشهد السياسي في السودان كالآتي: * تحميل المؤتمر الوطني مسئولية الانفصال وما قد يلحق به من عداوات. * تصعيد نوعي في مواقف حركات دارفور. * إطلاق عنان الملاحقة الجنائية الدولية. حصيلة هذه العوامل مع تدهور الحالة الاقتصادية سوف تطلق تيارا واسعا للإطاحة بالنظام. 7- في المقابل فإن الحزب الحاكم في الشمال سوف يعتبر انفصال الجنوب تخليصا من شريك مشاكس ما يسهل مهمة السيطرة على الشمال حتى ولو في نطاق المثلث الشهير. هذا التصميم سوف يوسع ويعمق المواجهات في البلاد ويدعم تيارات تفكيكها. إن انفصال الجنوب سيما في المناخ الحالي سوف يحدث تغييرا نوعيا في المشهد السياسي في السودان ما يجعل المواصلة مستحيلة. 8- بدل المواصلة والإطاحة هنالك طريق سياسي سلمي ثالث هو أن يقبل المؤتمر الوطني بالخريطة الآتية: * حل أداة الحكم الحالية وتكوين حكومة قومية جامعة. حكومة مهمتها: أ- إدارة الشأن الوطني والدعوة لمؤتمر قومي دستوري لكتابة دستور البلاد الدائم. ب- إبرام معاهدة توأمة مع دولة الجنوب فورا. ج- الاستجابة لمطالب أهل دارفور المشروعة وتعميم ذلك على الأقاليم الأخرى. د- توفير الحريات العامة ه- التصدي للمسألة الاقتصادية. و- التعامل الواقعي مع المحكمة الجنائية الدولية. إذا قبل المؤتمر الوطني هذه الخريطة يمكننا الخوض في التفاصيل والتوقيتات. 9- هذا العرض قائم حتى 26/1/2011م ويرجى أن يدرسه المؤتمر الوطني بجد واجتهاد واتخاذ قرار بشأنه. فإذا رفضه المؤتمر الوطني فسوف أوجه الدعوة لمؤتمر عام لحزب الأمة ليقرر الحزب موقفه من المشهد السياسي الجديد. 10- أنا شخصيا وفي هذه المرحلة من العمر وأنا أرى بعيني رأسي عوامل تفكيك السودان سوف استخير لاتخاذ أحد قرارين هما: - الانضمام لصف الإطاحة. - وإما التخلي النهائي عن العمل السياسي. وينتخب المؤتمر العام قيادته. كتابي الذي بين أيديكم هو شهادة على العصر أرجو أن تشجع آخرين للإدلاء بشهادتهم. شهادة قدمتها موثقة. والكتاب مرافعة مركزة من أجل الطريق الثالث المذكور ولكن بعد تقديم الشهادة والمرافعة فإن الموقف بعد انفصال الجنوب يوجب اتخاذ قرارات فاصلة. ماعبر عنه الامام الصادق المهدي عن حال الوطن ومايحمله وغيره من أهل السودان وأحزابه الوطنية وقواه المجتمعية الحية من هم واحساس بالمخاطر التي تتهدد البلاد لايقابل للأسف إلا باستخفاف من قبل بعض النافذين في الحزب الحاكم وهو مؤشر خطير مع تراجع صوت العقلاء في هذه الظروف الحرجة في وطن يمور من أطرافه وطن ليس ملكا للحزب الحاكم دون غيره . واقع لاغنى عنه من طرح الأسئلة في الزمن الاضافي المتبقي من المجهول : هل سيرجع النظام البصر كرتين ويتجنب تكرار اخطاء الماضي القريب ، في عصر ويكيليكس والسموات المفتوحة والإرادات الشعبية الحية المفعمة بالوعي والمشبعة بالوطنية ؟ هل سيدرك ان الرجوع للحق فضيلة وأن إجماع الأمة خير من تشتتها وأن للقوة مفاهيم أوسع وأكبر من مجرد امتلاكه لأدوات الردع المادي ؟ ألا يكفي انتقاص الجنوب ومايجري في دارفور ومايراد لها بعد الجنوب ؟ هي أسئلة ليست اقل أهمية من خيارات الإمام المطروحة الذي لسان حاله يقول: بذلت لهم نصحي بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد الصحافة