** وكذلك كان يبدوا الشعب التونسي في - نظر الدنيا والعالمين - شعبا لامباليا بما يحدث في وطنه، حيث الكل كان يظن بأنه شعب طرب ولايتقن غير العزف والرقص، وهذا ما كان يعكسه الإعلام الرسمي هناك بهدف تخدير العقول وتغييب الوعي .. ولكن، من قاع المدائن والأرياف تفجر الغضب المكبوت، وأطاح بنظام بلغت قسوته وجبروته إلى حيث مراقبة كل حركة وسكون فى تونس، بل حتى المساجد - وأنفاس الركع والسجد - لم تسلم من الرصد هناك، وكأن أجهزة بن على الراصدة كانت تعمل بلسان حال أحمد مطر حين ينصح المواطن العربي ساخرا : قبل أن تنوي الصلاة إتصل بالسلطات، و أشرح الوضع لهم .. لاتتزمر، وخذ الأمر بروح وطنية يا صديقي : خطر أي إتصال بجهات أجنبية ..!! ** أوهكذا كان لسان حال فرعون تونس..(23 عاما )، نسى وتناسى خلالها بأن هناك مالك للكون حين يقول لأمر ما (كن) ، فيكون في لمحة بصر.. ولذلك لم يكن مدهشا بأن غضب (3 أسابيع) يطيح بنظام حكم (3 عقود ).. وهكذا سيصبح حال كل الأنظمة التي تغفل آمال وآلام شعوبها، وتتقوقع داخل أطماع سادتها والفئة الإنتهازية ثم ذوي القربى، فتلك قواقع لاتقي من بداخلها من غضب قاع المدائن والأرياف حين ينفجر بأمر كن الرباني ثم حين يبلغ سيل الغبائن الزبى .. ولهذا المثل شرح يشبه تشريحنا للواقع الراهن.. فالزبى، جمع زابية، حفرة عميقة كانت بادية العرب تحفرها لتقع فيها الأسد ويصطادوه، وحين تمطر السماء وتمتلئ تلك الحفرة يعرفون بأن درجة الأمطار تجاوزت الخفيفة والمتوسطة وبلغت مرحلة السيل.. والآن، بعد حمى تونس، تجمعت سحب الوعي تحت سموات الدول العربية، وبدأت تمطر..أمطرت في تونس ثم اليمن ولاتزال، وكذلك في القاهرة بلغ السيل الزبى منذ البارحة ..!! ** ولو ذهب نظام مبارك أو لم يذهب، لقد حدث التغيير في مصر.. فالسيل الشعبي الذي أرغم الحكومة هناك على نشر الجيش في الشوارع - بعد أن عجزت الشرطة عن مقاومة الزحف - هو التغيير.. والرعب الذي أدخله السيل الشعبي في (أوصال النظام ) وأجبره على حظر خدمات الإتصالات والإنترنت، هو التغيير.. الآن فقط، عرفت السلطة الحاكمة بأن هناك شئ اسمه ( قوة شعبية) ، والآن شعرت بخطورة تلك القوة علي نهجها المستبد .. وهذا هو المهم.. نعم، كان يجب أن تشعر الأنظمة الأفروعربية منذ زمن بعيد بخطورة قوة شعوبها على نهجها الشمولي .. ولو كانت تشعر بخطورة قوة شعوبها لما سخرت كل الموارد إلى سياط تلهب ظهور الشعوب ، ولما إختزلت الأوطان في أطماع ذواتها و( ذوي القربى ).. والجدير بالتأمل في غضب شعب مصر هو أن السلطة هناك عجزت عن تقاوم غضب الشوارع بواسطة شرطتها أكثر من نصف يوم ، ولذلك سحبت الشرطة ونشرت الجيش بمدرعاته وعرباته.. تأملوا : الجيش المناط به مهمة حماية البلد من العدوان الأجنبي ، تم تسخيره لحماية النظام من غضب الشعب.. وهكذا تتجلى للنظام بأن القوة الحقيقية هي : الشعب .. وليست أجهزة القمع التي يراهن عليها مبارك و..( رفاق مبارك)..!! **وبعد الذي حدث في القاهرة وما سيحدث، لا مكان لتوريث الحكم هناك ، أو كما كان يحلم البعض أو كما كان يحلل البعض الذي لم يتحسب بأن وعي الشعب حين ينتفض يقرر مصيره .. نعم، وعي الشعب - وليس الأمن المركزي - هو الذي يصنع مستقبل مصر حاليا كما يهوى الشعب المصري ، وهو الوعي الذي يستلهم حراكه من حراك وعي الشعب التونسي.. ولن ينقطع حبل الوعى، فهو ليس بشبكة إتصالات أوإنترنت لتتحكم فيها ذوي ( الأيدى الراجفة والقلوب المتوجسة)، بل هو وعي الشعوب.. وهو كما السيل، لن يستقر في تونس فقط ، ولا في القاهرة فحسب.. بل سيواصل سيل الوعي جارفا كل باغ ومعتد أثيم، حتى تتحرر كل الشعوب من قيود الذل والهوان.. نعم، كل الشعوب ، بما فيها شعبا علم الشعوب العربية - قبل عقود - معنى أن تنتفض وتنتصر.. باذن الله.. !! .......... نقلا عن السوداني