[email protected] إن المتأمل للأحداث السودانية يصيبه الذهول وينتابه الأسى والحزن لما قد يؤول إليه مصير هذا الوطن .. فبالأمس فقدنا الجنوب ولا ندري ما تخبي لنا الأيام القادمة .. فالوطن يحتاج إلى بناء وتعمير، ويحتاج الإنسان فيه إلى طمأنينة وعيش كريم وعدالة اجتماعية كي يساهم في نهضته وبنائه .. فأهلنا البسطاء في كردفان وغيرها من أنحاء ما بقي لنا من وطن يبحثون عن الأمن والعيش الكريم .. فالمواطن البسيط .. قد لا يعرف من هو رئيس السودان حتى .. إلا من كان عنده راديو أو تصله الأخبار عن طريق من يتشدقون بالسياسة ممن هم حوله .. ولكنه يعرف الحكومة التي كانت سبباً في غلاء ( السكر والشاي) وغيره من المواد الضرورية حسب حاجته ... فيكون ذلك مضرب مثل لهم (اثنين عقر غلوا السكر) .. و (عمر سليقة) أول ما هلت الإنقاذ .... وغيرها من الأمثال .. فالسكر هذه السلعة التي ندعي أننا نمتلك أكبر مصنع لها في أفريقيا .. يخرج بتكلفة تصل إلى أكثر من النصف بقليل من سعره في السوق ولكن ما يوضع عليه من ضرائب ورسوم تفوق التوقعات توصله إلى هذا السعر الخرافي الذي أرهق المواطنين .. فكلنا نبحث عن العيش الكريم والذي لم نجده في وطننا السودان فاضطررنا للهجرة.... فالمواطن في السعودية مثلاً راضي بحكومته .. لأن مؤسسها رسخ العدل وبنى وطنه وأستخرج البترول وساعد به في نهضة بلده وكذلك من تبعه من أبنائه فعمروا وطنهم وربطوه بشبكة طرق لا يعلى عليها .. فالمواطن السعودي يستطيع أن يداوم (كما اعتادوا أن يسموا الذهاب إلى العمل بالدوام ) من بيته في مسافة ربما تكون أبعد من كوستي إلى الخرطوم يومياً دون أي مجهود ولا يغيب ذلك على من سمحت لهم الظروف بزيارة الأراضي المقدسة لأداء الفريضة ولعلها واضحة لمسئولينا الذين يحضرون للحج بصفة مستمرة على نفقة الدولة لا على نفقتهم.. بينما في السودان إذا أردت الذهاب إلى أهلك فربما قضيت سنيناً طويلة تحسب لذلك اليوم الذي يجمعك بهم لا لبعد المسافة وإنما لصعوبة الطريق وأن استطعت أن تسافر ولاسيما في الخريف فربما يقطع عليك (وادي أبو زعيمة الطريق) أو غيره من الأودية وربما جلست شهراً تنتظر انحسار المياه .. والمزارع لا يستطيع إيصال محصوله من مناطق الإنتاج إلى الأسواق لصعوبة المواصلات والتي ستزداد سوءاً بسبب غلاء أسعار الوقود بعد الآن .. هل تصدق أن فاكهة المانجو تردم بها الخيران في الخريف في منطقة أبو جبيهة بجنوب كردفان لأنهم لا يستطيعون إيصالها للمستهلك .. هل يدرك هذه الحقيقة حكامنا الأفاضل وكذلك الوضع بالنسبة لدارفور التي تنمو بها أجود أنواع البطاطس في السودان وربما في أفريقيا. فالوطن يحتاج إلى تنمية وما تبقى من السودان يحتاج إلى شبكة طرق تربطه حتى يستطيع أبناءه التواصل والانصهار مع بعض حتى تزول العنصريات والقبلية التي فرقت بين أبناء الوطن .. كذلك تساعد على ربط مناطق الإنتاج بمناطق الاستهلاك وتعوض المزارع عن تعبه فالمواطن البسيط يحتاج إلى ضروريات الحياة البسيطة التي تبقيه عايشاً يقاوم الموت ولا يحتاج إلى عمارات ولا منتجعات ولا حدائق .. فأهلنا في كردفان يبحوث عن الماء .. ففي بعض المناطق يكون سعر الماء أغلى من البنزين وبعضهم لا يغسل ثيابه إلا في الخريف.. والماء عصب الحياة فإذا لم يتوفر الماء فكيف للإنسان أن يعيش وقد لا يخفى هذا الكلام على بعض أبنائنا ممن سنحت لهم الفرصة أن يتربعوا على عرش الكراسي ولكنهم نسوا أهلهم .. ونسوا الله أولاً لأن هذه مسئوليتهم فاهتموا بسياراتهم الفارهة ومنازلهم الفاخرة .. فبنوا لأنفسهم ولم يبنوا لوطنهم ولا لأهلهم الذين لا يريدون منهم سوى توفير الماء والقليل مما يبقيهم على قيد الحياة والوصول بطريقة سهلة إلى ( الديم) (المدينة) إذا أحتاج أحدهم للعلاج .. فمن الطبيعي أن تموت امرأة في حالة ولادة متعثرة لأن أهلها غير قادرين على إيصالها للطبيب الذي يبعد عن منطقتها 100 كلم أو أقرب لأنه لا توجد سيارة أو أنهم لا يملكون ثمن المشوار .. فعليكم الاهتمام بمواطنكم البسيط الذي لا يحتاج إلا لمثل هذه الخدمات وعليكم الاهتمام بشبكة الطرق حتى يستطيع المسافر أن يعبر من أم درمان إلى جبرا وسودري وحمرة الشيخ ثم إلى الفاشر بسهولة ويسر .. فلو أنكم فعلتم ذلك لما هاجمتكم قوات خليل في عقر داركم أم درمان .. لأن كل عابرٍ لذلك الطريق قد يراهم بسهولة. لقد تسرب حمل الولايتين كردفان ودارفور مع طريق الإنقاذ الغربي.. الذي أنقذ به المسئولين جيوبهم ونسوا المواطن .. الذي انتزعوا منه أغلى سلعة وهي السكر لأجل تشييد هذا الطريق فقد تبرع المواطنون بسكرهم من أجل إعمار هذا الطريق .. ولكن أحلامهم تسربت مع الهواء .. فمن يتكلم عن إعمار دارفور وكردفان عليه أن يهتم بهذا الطريق ولينسى جيبه ويتذكر وطنه ويهتم بجزأين كبيرين من وطنه ربما كانا هما المخرج لنا مما نحن فيه ، وثالثهما الجزيرة تلك الأرض الخصبة التي جففوها لا لشيء إلا أنهم اعتمدوا على البترول الذي رحل مع أهله .. فالاهتمام بالأوطان أولى من الاهتمام ببيوتكم وعرباتكم الفاخرة بل وأهلكم .. فأخوة الإسلام أولى من أخوة الانتماء الحزبي .. فلو كانت الأحزاب تدوم لما فارقتم الشيخ .. فالهدف المنشود هو بناء الوطن لا الأحزاب والكتل السياسية التي لا طائل من ورائها إلا سرقة مدخرات الوطن ومكتسباته .. فالأحزاب تنهار كما أنهار الحزب الحاكم في تونس وكما سيتبعه الحزب الوطني في مصر والأوطان باقية.. فعلينا أن نهتم بما تبقى لنا من وطن ونبينه بناءاً حقيقاً لا وهماً وكذباً .. فعلينا أن نهتم بالسودان وأن يكون ولاءنا للسودان لا لحزب أو جماعة أو قبيلة .. وعليكم أن تعيدوا الثقة للمواطن الذي أفتقدها فيكم .. فالمصريون رفضوا الرجوع من ميدان التحرير بعد أن ألقى مبارك خطابه الأول الذي أكد فيه أنه لن يترشح مرة لأنهم فقدوا الثقة فيه وفي حكومته وفي حزبه ولأنهم سئموا الكذب وأصبح لا يرضيهم إلا رحيله حتى لو انتظروها في ميدان التحرير دون أكل وشرب .. فالضرب على الميت لا يؤذيه .. فهو جعل أجسادهم بلا أرواح وأصبحوا لا يخشون الضرب .. وهاهو ينحني ويغادر مذلولاً رغم أنفه .. ونحن في الجوار نراقب الأحداث عن كثب وقد سئمنا الكذب .. فالكذب مهما غُلف لا يخفى علينا نحن كرواد إنترنت والمعلومة قد تغيب على مواطن بسيط ولكن لا تخفى على جيل الإنترنت والاتصالات .. فقد مللنا الكذب والخداع ... فلا تصدقوا إننا نصدقكم فيما لا تصدقونه أنتم بأنفسكم .. فعليكم الاستفادة من الدرس .. وتعمير الوطن وبنائه وبسط الأمن بين المواطنين والاهتمام بالخدمات الأساسية من تعليم وصحة والضروريات اللازمة لتسيير حياة المواطن .. وهكذا تكسبوا حب المواطنين وسوف يصدقونكم وتكون لكم قاعدة عريضة بين أبناء السودان وليس بين أفراد الحزب فقط .. وعليكم بإشاعة العدل بين المواطنين .. فالخلافة الإسلامية لم تسود إلا بالعدل وبإرساء قواعده وكذلك الخلافة العمرية والتي تدعون أنكم تنتهجون نهجها .. فعمر الفاروق حمل الدقيق بنفسه للمرأة التي وجد صغارها يبكون من الجوع .. وقال لعامله أحمل عليّ .. فقال العامل عنك أم عليك .. قال بل عليّ أأنت تحمل عني أوزاري يوم القيامة فمن سيحمل عنكم .. وجاء عمر في اليوم الثاني وصلى بالمؤمنين فما استطاعوا معرفة قراءته من شدة بكائه.. فأين أنتم من عمر .. وهل كل عمرٍ عمر .. فالإسلام والشريعة التي تدعون أنها نهج دولتكم تأمر بالعدل والمساواة بين الرعية .. والجنوبيون لم يروا هذا العدل ولم يروا هذا الشريعة وعدلها لذلك آثروا الرحيل .. فلو أنكم عاملتموه كما يأمرنا الإسلام لجذبناهم للإسلام .. وليس للوحدة الكاذبة والشعارات المجوفة التي لا تنطلي على عاقل.. فأصحوا من نومكم وفوقوا من سباتكم.. وكفاكم كذباً علينا .. فبدلاً من تهديد الشعب (من أراد أن يغير النظام فليلحس كوعه) ارتقوا إلى مستوى المسئولية واحترموا عقول أبناء الشعب التي تعتقدون أنها خاوية .. فنحن لا نعشق المعارضة حباً فيها .. بل نريد الحياة كراماً كغيرنا من أبناء الشعوب ونريد وطناً لا بيوتاً جميلة معلقة من غير أرض ثابتة ترسي عليها .. فأبناء السودان تعيسي الحظ منذ الاستقلال فلم ينعم الله علينا بحكومة ترتقي إلى مستوى تطلعاتنا البسيطة فالسواد الأعظم منا يبحث عن حياة كريمة والمواطن السوداني بسيط وقنوع ويرضى بالقليل .. ولكنه ليس ساذجاً يصدق كلما يقال له .. ولكم أن تثبتوا لنا العكس .. فالمتهم برئ حتى تثبت إدانته .. وأنتم متهمون حتى تثبوا لنا العكس .. فإما أن تصدُقونا الحديث وتطبقوا الإسلام الذي تدعونه .. أو ليفعل الله ما يريد .. والملك لله وحده فهذا عام التغيير والعاقل من يتعظ بغيره ويتفادى الحلاقة .. وجيراننا خير دليل على ذلك وأنتم لستم بأقوى منهم فالقوة لله والملك له وحده يأتيه من يشاء ... فلك الله يا وطني بأن يرحمك بمن يخاف عليك لا من يُخِيف أبنائك ويرهبهم ويعوض صبرنا خيراً من الاستقلال وحتى الآن. ومبروك لشعبي تونس ومصر وشباب الإنترنت صانعي الثورات والتغيير. محمد أبو شهاب – رابطة أبناء كردفان - السعودية