د.زاهد زيد [email protected] أثبتت الثورة في مصر وتونس أن العالم الثالث موعود بنوع جديد من المقاومة الشعبية ، فقد قادت الشعوب في بلدان العالم الثالث في القرن الماضي ثورات عظيمة ضد الاستعمار الحديث الذي جسم على صدرها سنوات عديدة فسطروا أعظم البطولات وغدا قادتهم رموزا لا تبلي مع الزمن : فالامام المهدي وعمر المختار وأحمد عرابي وغاندي وجيفارا وآخرهم مانديلا وغيرهم كانوا ثوارا ضد الظلم والقهر الاستعماري مع اختلاف بلدانهم وعقائدهم . وقد مهد هؤلاء الطريق لشعوبهم لتنال حريتها فتبرز قيادات أعتبرت أعلاما لبلادها وقد شهد النصف الأول من القرن الماضي مولد القادة الرمز من أمثال نهرو وناصر وحتي لينين الذين كانوا يمثلون أحلام شعوبهم في الثورة والحرية والتطلع لغد أفضل . والواقع أن الجيل الذي خلف القادة هؤلاء كان أقل قامة بكثير من أن يسيروا ببلادهم قدما ولم يدركوا أن الدنيا تتغير وأن واجبهم أن يؤسسوا في بلادهم أنظمة قوية سياسيا واقتصاديا تستطيع أن تبقي مع الزمن لتستوعب المتغير وتعمل بالجملة لصالح شعوبها. ويصدق هذا الواقع على أكثر هذه الشعوب التي جمع بينها الاستعمار كما جمع بينها تجمع دول عدم الانحياز في وقته ، تلبية لحاجتهم للتوحد في عالم ثنائي التوجه . وقد انتهي أمر معظم الأنظمة بعد فترة وجيزة من الاستقلال إلى أنظمة عسكرية بلباس ثوري سرعان ما تمحورت شرقا وغربا . ولم تتجه الوجه الصحيحة ديمقراطيا إلا الهند التي نجحت في الحفاظ على ديمقرطيتها التي أصبحت وإلى وقت قريب المثال الأوحد لديمقراطية العالم الثالث. أما المنطقة العربية والأفريقية فكما ذكرتُ فقد اتخذت من الثورة المصرية مثالا ومن جمال عبد الناصر قدوة فكان صدام حسين والقذافي وأبومدين و حافظ الأسد وعلى عبدالله صالح في المنطقة العربية أما أفريقيا فقد اتخذت من الانقلابات العسكرية ديدنا من عيدي أمين وبوكاسا وتمبل باي ومنقستو وسياد بري إلى جنرالات نيجيريا وموريتانيا وعبود وبعده نميري وأخيرا البشير في السودان . لقد كان مفهوما أن يتقدم العسكر لاستلام السلطة في كثير من البلاد التي كانت فعلا في حاجة للتغيير لصالح شعوبها ولكن من غير المفهوم أن تتحول هذه الانظمة من الأهداف التي قامت من أجلها لأنظمة دكتاتورية قمعية تعمل لصالح فئة قليلة على حساب كل الشعب . وهكذا ضلت الثورة المصرية الطريق بعد ما قدمت للشعب المصري من قوانين الإصلاح الزراعي والاجتماعي وتأمين قناة السويس وبناء السد العالي وقبل كل ذلك تحرير المواطن المصري من نظام ملكي واقطاعي فاسد . فبعد موت قائدها عبد الناصر اهتزت ثوابت الثورة ومكانتها في مصر نفسها وعند والعرب بعد أن تصالح سلفه السادات مع إسرائيل وفتح البلد أمام الأمركان وقوى السوق وواجهت مصر لأول مرة عزلة في محيطها العربي والإسلامي بعد أن كانت قائدة هذا المحيط ومثاله الذي يتطلع إليه . لقد هيأ السادات الجو السياسي المصري للإنحراف عن خط ثورة 23 يوليو وقائدها الرمز جمال عبد الناصر ولم يتقدم بالثورة للاتجاه الصحيح ، ولم تنتج ثورته التصحيحية ما كان يتطلع له الشعب المصري ومن خلفه الشعوب العربية . لقد جاءت تولية الرئيس المخلوع مبارك عقب إغتيال السادات وكان المفروض ان يخرج بالبلاد من عنق الأزمة التي أدت لإغتيال سلفه , ولكنه ظل يحكم بعقدة الخوف الذي لازمه منذ حادث المنصة الشهير الذي كان من شهوده بل كان مقعده مجاورا للمغدور السادات ولو طاشت رصاصة واحدة لأصابته ، فخرج مذعورا لا يصدق النجاة ناهيك عن تولي الرئاسة . لقد حكم مبارك ثلاثين عاما تحكمه عقدة المنصة , تحت قانون الطوارئ في أول بلد يظل تحت هذا القانون الذي لا بفرض في أي بلد إلا تحت وطأت الأزمات والحروب ولم تكن مصر في حالة أزمة خطيرة أوحرب بعد إتفاقية السلام مع إسرايئل . بل كانت الأزمة في عقل وذهن الرئيس المخلوع الذي أحاط نفسه بسور من الأمن وجيش من الشرطة , فكان لقمة سائغة لبطانة السوء من وزراء ومسئولين جعلوا مصالحهم فوق مصالح الناس . لقد عرف الشعب المصري بأنه شعب مسالم , ومطيع ,يحترم رؤوساءه ، لا يجنح للعصيان والتمرد ، ولكن ما شهدناه من هبة وغضب يؤكد عمق أزمة نظام قرر رئيسه أن يعيش أسيرا لخوفه , وآثر أن يأخذ شعبه معه , ونسي حكمة قديمة \" اتق غضبة الحليم \".