المتابع للأوضاع السياسية في مصر وتحولات الصحافيين والكتاب فيها، لا يجد مناصاً من استدعاء رائعة الكاتب الصحافي الراحل موسى صبري «دموع صاحبة الجلالة» التي قدمت أنموذج الصحافي الانتهازي الوصولي «محفوظ عجب» الذي يتملق السلطة ويتمرغ في وحل العمالة والارتزاق لأجهزتها الأمنية، ولا يتورع عن التضحية برفاقه في التنظيم اليساري السري والوشاية بهم جمعياً، بما فيهم الفتاة التي أحبته وساندته في بداية مشواره الصحفي. وكانت المراوغة والميكافيلية أنسب الطرق له في الوصول إلى الأهداف المشروعة وغير المشروعة، حيث ذاعت الرواية في بداية التسعينيات من القرن الماضي، خاصة بعد أن تلقفتها دور الدراما المصرية وحولتها إلى مسلسل إذاعي من بطولة الفنان الراحل «أحمد زكي» وجرى إنتاجها فيلماً سينمائياً من بطولة الفنان «سمير صبري» ثم اعتمدت مسلسلاً تلفزيونياً بطولة الفنان «فاروق الفيشاوي». لقد جمعت رواية «دموع صاحبة الجلالة» عدة وجوه عاصرها الراحل موسى صبري عبر نصف قرن من الزمان في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة، شكل منها شخصية بطل الرواية «محفوظ عجب» التي لم تخل من إسقاط سياسي وكانت الشخصية أكثر إلحاحاً علىّ حين أطلعت على بعض كتابات وتصريحات بعض الصحافيين المصريين من فلول النظام السابق ومخالفيه النسبيين الذين دبجوا المقالات وحرقوا البخور في الدعاية للنظام السابق ومناصرة الرئيس المخلوع حسني مبارك، ثم تحولوا عشية 11 فبراير 2011م، إلى ثوار من الطبقة الأولى بعد أن لحسوا ما كانوا يأفكون لنظام المخلوع، وربما تكون هذه الظاهرة عرفاً مصرياً قديماً، ويروى عن الصحابي الجليل عمرو بن العاص الذي فتح الله على يديه مصر قوله عن مصر: «أرضها ذهب.. ورجالها لمن غلب». ودائماً ما يقدم الكاتب الصحافي الشهير محمد حسنين هيكل نفسه بأنه رجل الدولة وكاتبها الاستراتيجي الضليع الذي يناصح الحكام ويشاركهم في صنع القرارات المصيرية للبلد، خاصة مع الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات في بداية عهده، وهو الدور الذي لم يمنحه إياه الرئيس المخلوع مبارك طوال ثلاثين عاماً من حكمه، فنال منه هيكل كما نال من سلفه السادات في كتابه «خريف الغضب»، فجاءت كتب هيكل الثلاثة «مبارك وزمانه» وخاصة في جزئها الأول «من المنصة إلى الميدان» مادة للسخرية من الرئيس المخلوع الذي لم يتجرأ كاتب على التهجم عليه في عهده مثلما يفعل البعض عقب تنحيه عن الرئاسة، وبلغت السخرية من مبارك مداها عند هيكل حين أورد قصة دعوة رئاسة الجمهورية للأستاذ الراحل «فتحي رضوان» القيادي الوطني بتنظيم مصر الفتاة ثم حزب العمل الاشتراكي إلى لقاء الرئيس في بدايات عهد مبارك، والتي انتهت دراماتيكياً إلى مقابلة عابرة على متن الطائرة الرئاسية لخطأ في ترتيب مواعيد الرئيس، وكان الرئيس على موعد آخر مع زائر أفريقي، حيث اعتذر الرئيس مبارك عن الخطأ وبحسب هيكل: «أراد دفع مظنة الإهمال أن يقول ل «فتحي رضوان» إنه مازال نفس الرجل لم يغيره منصب الرئاسة وأنه مقاطعاً حديثه تصدق بالله يا «فتحي» بيه أنا لا أزال وأنا رئيس الجمهورية أمسح حذائي صباح كل يوم بنفسي، أجلس على الأرض، وأمسح الحذاء بالورنيش، ثم الفرشة، وبعدها قطيفة ألمعه بها.. وراح «فتحي رضوان» يشرح أن رئيس الدولة لا يصح له تضييع وقته في مسح حذائه، وقال «مبارك» هذه عوائدي كل يوم حتى وأنا تلميذ في ابتدائي، وحتى أصبحت قائداً للطيران، ونائباً لرئيس الجمهورية، والآن رئيساً لمصر!!