هناك فرق. كراهية غير معقولة ..! منى أبو زيد في حوار برنامج \"حتى تكتمل الصورة\" بشأن مقتل زعيم القاعدة، قال الدكتور قطبي المهدي إن حكومة السودان لم تطلب من أسامة بن لادن مغادرة البلاد، وأشار الأستاذ عثمان ميرغني إلى سياسة التحدي التي كانت تنتهجها حكومة السودان إزاء تهديدات المجتمع الدولي – في ذلك الوقت - الأمر الذي يُستبعد معه اتخاذ موقف منه رضوخاً للمشيئة الأمريكية .. وفي حوار مع \"الجزيرة نت\" قال الشيخ إبراهيم السنوسي، عندما سئل عن أسباب مغادرة بن لادن للسودان (إنه ما كان من سبب لهذا الطرد، وقد عرفت أن مسئولين في الحكومة السودانية وقتها التقوا بالسفير الأميركي وعرضوا عليه تسليم بن لادن، وقد كان ذلك في عهد الرئيس بيل كلينتون، وقد نقل السفير الأمر إلى واشنطن في عهد وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت، لكنهم ردوا عليه بأنه لا تهمة لهم يمكن أن توجه إليه، ولأنهم لا يريدون اعتقاله دون تهمة) ..! هنا يحضرني ما قرأته لنعوم تشومسكي عن تلك الحادثة في كتاب \"الإرهاب والإرهاب المضاد\" الذي ذكر فيه حديثاً خصه به أحد كبار ال (سي. آي. إيه) السابقين، مفاده أن حكومة السودان قد عرضت عليهم وثائق سرية تفضح مخططاً للقاعدة بشأن ضربة جوية على منشآت أمريكية، لكنها – أي الحكومة الأمريكية – رفضت أن تتعاطى مع حكومة السودان في هذا الشأن..! أما سبب الرفض فهو تلك الكراهية غير المعقولة التي تضمرها الحكومة الأمريكية للسودان، ولولا تلك الكراهية – والحديث لا يزال لرجل ال (سي. آي. إيه) – لكان من الممكن تفادي وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر ..! أما كراهية السودان أو غيره للسياسة الأمريكية، فقد تساءل عنها الرئيس إيزنهاور – قبل قرابة الخمسين عاما – مقراً أن مصدرها ليس الحكومات بل الشعوب نفسها .. تشومسكي تبرع بإجابة لا بأس بها عندما دلل على ضلوع أمريكا في دعم الإرهاب ودورها في تسليح الحركات الإرهابية ..! انتصرت أمريكا بإعلانها مقتل زعيم القاعدة، بلى، لكنها - أيضاً - تنسى أن مكافحة الإرهاب لا تتحقق بإحلال إرهاب محل إرهاب، وإنما تكون بمنع أسبابه التي كانت سياساتها في العالم العربي أولها وأولاها ..! لا شك أن التاريخ السياسي الذي لا يغفل شيئاً سوف يشير – يوماً – وبقوة، نحو ارتباط الإعلان عن مقتل زعيم القاعدة بالخوف الأمريكي الهائل من خطر قيام (الشرق الأوسط الإسلامي) الذي مهدت الثورات العربية له طريقاً (ما) ما عاد وجوده مصدر شك، وإن كان التشكيك بشأن مقدرة الحركات الإسلامية الجانحة إلى السلفية، على بناء أنظمة ديموقراطية، يبقى قائماً جداً ..! أما موقف أمريكا من تداعيات الثورات العربية فهو يومئ إلى أن ما يقلقها ليس حركة تنظيم القاعدة، بل كل حركة تدعو إلى الاستقلال عنها ..! التيار