حديث المدينة يا شعبي .. المكتول كمد..!! عثمان ميرغني قد لا تصدقون.. لكني أنصحكم بأن تصدقوني لأني أملك أقوى دليل على صدق ما سأرويه لكم.. دليلي الذي لا يقهر هو الحال التي أنتم عليها.. وملخصها أننا جميعاً شعب السودان ضحايا غلبة المصلحة الخاصة .. على العامة.. رجل أعمال خليجي مشبع بحب صنائع المعروف.. أبدى رغبة في عمل مشروع كبير في السودان.. صدقة لوجه الله.. اقترحوا عليه أن يرفع عن الناس هموم المرض.. بتأسيس مستشفى كبير لخدمة الفقراء.. مجاناً لوجه الله.. الرجل الثري الغارق حتى أذنيه في متابعة أعماله ومشروعاته الكبيرة ليس لديه وقت لبحث التفاصيل.. قال لهم: (على بركة الله..). اختار له أهل الخير موقع يستحق المستشفى.. وحددوا له التكلفة بضع ملايين من الدولارت.. لم يضيع وقته في سؤالهم عن تصميم المستشفى أو الخريطة .. قال لهم: (على بركة الله أبدوا). صاروا يرسلون له كل بضعة أسابيع مطلوبات المرحلة القادمة من المال.. والرجل الخير.. يرسل لهم .. سنة .. وسنتان.. وثلاثة.. أرسلوا له التهنئة باكتمال المشروع ودعوة أنيقة لحضور حفل الافتتاح.. رغم مشاغله لكنه صمم أن يتذوق طعم الفرح معهم.. وأن يرى بأم عينيه دفقة الشكر والعرفان في وجوه الفقراء الذين سيحتشدون في المستشفى من أول يوم. يا مؤمن يا مصدق.. الرجل وصل مطار الخرطوم.. أكرموا نزله في الفندق الفخم.. في الصباح الباكر كان موكب السيارات ينتظرأمام باب الفندق ليزفه إلى موقع المشروع الخيري الكبير.. وصل الموكب اإلى موقع المشروع والاحتفال الكبير.. نصبت خيمة كبيرة تحيط بها مكيفات الهواء الضخمة من كل جانب.. عدة مئات من المقاعد الوثيرة نثرت في المكان.. كل شيء في غاية الأبهة.. بدأ الحفل الذي شرفه شخصية دستورية رفيعة( جداً جداً).. القرآن الكريم ثم كلمة فلان.. ثم كلمة علان.. ثم كورال .. ثم كلمة فلان وعلان.. ثم توزيع الشهادات التقديرية لمن أنجزوا المشروع. ثم كلمة فلان وكلمة علان.. و أطباق الطعام الفاخر تملأ الموائد.. الرجل الخليجي الثري كان يغالب دموعه من التأثر بحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة وفيضان الشكر والعرفان في كلمات المتحدثين في الحفل.. بعد نهاية الحفل.. جاءت اللحظة التاريخية .. جولة في المشروع.. اللحظة التي انتظرها رجل الأعمال ليرى الفقراء وهم ينعمون بأفضل خدمة علاجية.. صدقة لوجه الله.. خرج رجل الأعمال من السرادق وحوله حشد المحتفلين بالحدث وتوجهوا نحو مبنى المستشفى.. قالوا له: ادخل برجلك اليمنى.. ذهل الرجل.. أدخل أين؟؟ قالوا له إلى المستشفى أمامك. سألهم في ذهول .. أين المستشفى؟؟ تسمروا جميعاً .. والرجل ينظر إلى الباب الصغير الذي يشبه باب حجرة حارس المسجد.. ثم يعيد النظر إلى من حوله.. وهو لا يصدق .. لحظات صمت كاسحة.. نظر إليهم مرة أخرى.. ثم نظر إلى باب المستشفى .. وأخيراً نظر إلى أعلى والدموع تنهمر من عينيه وهو يردد: (حسبنا الله ونعم الوكيل)..رجع للخلف وركب السيارة وهو يقول للسائق .. إلى المطار.. التيار