رأي علم السودان في جوبا.. أتمسكونه على هون أم تدسونه في التراب..؟! محمد عيسى عليو يوم السبت 9 يوليو 1102م تاريخ كتابة هذا المقال، انبلج فيه الضحى الذي اضحك وابكى، اضحك المتطرفين الذين يرفضون الآخر، وابكى المخلصين الذين يأكلون في واسع الاناء. ضحى اليوم 9 يوليو اضحك الذين لا يعتبرون بالاديان القائلة «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا». والاديان القائلة «المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرة»، إذن الذين لا يعترفون بالتعارف والسلام هم اكثر الناس ضحكاً، والمتدينون حقاً هم أكثر الناس بكاءً في هذا اليوم. والذين يرفضون الآخر هم الذين اججوا هذا الصراع حتى وصل للانفصال عندما كانوا يستعملون القمع على نظرية اضرب العبيد بالعبيد، هذا هو الأسلوب المتبع منذ أن كانت المشكلة نطفة في رحم الغيب في أغسطس 5591م، لقد استعملنا لمعالجة القضية أسوأ الاساليب الاخلاقية لقتلها، ولم نستعمل ليوم واحد الحكمة التي كانت تنادي بأن يكون الجنوب ذا خصوصية في اطار الدولة الواحدة، سواء أكان ذلك حكماً ذاتياً او فدرالية او حتى كنفدرالية، عندما كانت الاصوات الحية تنادي بهذه الحكمة كانت تعتبر عند المتطرفين كفراً بواحاً يستحق صاحبه الرجم بالحجارة، واستمرت سياسة اضرب العبيد بالعبيد التي كانت تلوكها ألسن المتطرفين سراً وأحياناً في نكات خشنة مستفزة. واليوم نحصد الحصاد المر الذي زُرع نبته ومرت عليه كافة الانظمة الوطنية مدنية او عسكرية، حزبية او تكنقراطية. وعجزنا عن ان نسكت الفتنة في مهدها في توريت 5591م، وفشلنا في حسمها وهي طفلة تحبو في 8591-4691م فترة الحكم العسكري الاول. وجاءت أكتوبر بكل أكاديمييها وسياسييها ولم تنجح في حل المشكلة، والمائدة المستديرة كانت مائدة متخمة بدسم الطعام على حساب المواطن الفقير، ولم تفعل شيئاً حتى قامت مشكلة الجنوب على ساقيها تتوكأ على فشلنا الخائر الخائب العنصري الأناني، وهي تنهض شابة تقاصرت عنها كل الأنظمة الشمالية المتعاقبة منذ الاستقلال إلى مايو وقبلها أكتوبر وبعدها حكومات ما بعد انتفاضة أبريل 5891م، حتى جاءت الإنقاذ بمشروعها العربي الإسلامي الحضاري، وفي الحقيقة لم يكن هذا المشروع إلا معاول هدم وسيوف وسكاكين، ليجهزوا على الوطن وليقطعوه من وسطه وهم يضحكون ولا يبكون، الإنقاذيون يجب أن يبكوا على أنفسهم وعلى الوطن الذي ضيعوه، وعلى الدين الذي هزموا مشروعه حقيقة، ومن حيث يدرون ولا يدرون فإنهم قد أوقفوا المد العربي الإسلامي الذي كان ينساب كالماء البارد دون وسيط من دولة، ومن دون مستشار للتأصيل، ومن دون الإجهار بكلمة «هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه» مع التكبير والتهليل دون عمل دؤوب يذكر. نحن لا نلوم الجنوبيين أبداً فهذا حقهم، رغم انهم لم يطالبوا به أبداً، وانما كانوا يطالبون بوضع خاص للجنوب في إطار السودان الموحد، ولكن عندما جاءت الإنقاذ بمشروعها العربي الاسلامي «الزائف» ثار الجنوبيون على مختلف مشاربهم، وقالوا نحن لسنا بعرب ولا مسلمين، فماذا تظنون أنهم فاعلون؟ كان هذا المصير متوقعاً منذ أن جاءت الإنقاذ بمشروعها سالف الذكر، وبإعلان الجهاد على النصارى والكفرة والملحدين، وحسبوا أن النصارى وغيرهم هم الجنوبيون الذين أمامهم فقط، ونسوا أنهم بذلك استنفروا ضدهم كل نصارى العالم بقضهم وقضيضهم، وبكل قوتهم المادية المعروفة، والمثل يقول «العنده أخو في البيت لن ينجلد في الخلاء». وبعد فصل الجنوب ظن قادة الإنقاذ أنهم بفعلهم هذا انهم سيرتاحون الى الأبد، وكما قال الرئيس في القضارف أخيراً «بعد دا ما دايرن دغمسة وما عايزين نسمع كلمة تنوع»، ولكن هناك ناس جنوب كردفان فرع النوبة على الأقل، والنيل الازرق فرع عقار، وأهل أبيي دينكا نقوك واهل دارفور من زغاوة وفور، بل وحتى تحت رجليه من حلب ونقادة واقباط في كنائسهم التي صلى وفطر فيها في الرمضانات السابقة. لا لن يرتاح الإنقاذيون من «الدغمسة» ما دام هم أحياء وفي السلطة ومشاريعهم على رؤوس الناس، وحتى الحركة الشعبية التي خفضنا لها جناح الذل من الرحمة، هل ستكتفي بالجنوب؟ كلا وألف كلا، إنهم لن ينسوا السودان الشمالي أبداً، ويعتبرونه كله جزءاً من تاريخهم وجزءاً من أملاكهم، وإنما الحصل سيعتبر استراحة محارب، فهم يتمددون بانتصاراتهم، ونحن ننكمش بانكساراتنا، هم سيكسبون مواطنيهم وأحزابهم المعارضة التي جعلوا لها مؤتمراً ناقش كل قضاياهم حتى كسبوا بعضهم، ونحن نفتقد كل يوم وطنياً غيوراً لينكفئ على نفسه، ولم نستطع أن نجمع أحزابنا حاكمة ومعارضة على صعيد واحد لنلتف حول قضية الوطن، فكيف لا نخسر المعركة مستقبلاً؟ وكيف لا يكسبها الجنويون؟ وهل ينسون رفقاء السلاح في الشمال الذين حملوا معهم الراية؟ «جبال النوبة والنيل الازرق وأبيي». ويوم 9 يوليو هو تاريخ كتابة هذا المقال، وكأني أرى الذين ذهبوا لجوبا يرفعون علم دولة جنوب السودان ويسقطون أرضا علم دولة السودان القديمة، فكيف يكون شعورهم؟وماذا هم فاعلون به، أيمسكونه على هون أم يدسونه في التراب، أم يحضرون به إلى الخرطوم ويجعلونه قميص عثمان يرفعونه في الوقت المناسب. تهنئتي للجنوبيين للجهد والجهاد الذي بذلوه، وأعلم أنه ليس نهاية المطاف بالنسبة لهم، وحسرتي على حكومات الشمال الفاشلة منذ الاستقلال، وتأتي الإنقاذ على قمة الفشل.. وبالجملة الساسة الشماليون فاشلون. الصحافة