حديث المدينة فساد لاند..!! عثمان ميرغني ما أرهقتني في هذه الدنيا مادة صحفية مثل ما فعل بي التحقيق الصحفي \"فسادلاند\" الذي تنشر حلقاته هذه الأيام صحيفتكم \"التيّار\".. حجم المستندات أمامي صار مثل الجبل.. كل واحدة منها تفيض بمتعة الدهشة.. على قول شاعرنا عمر الطيب الدوش (أمتع نفسي بالدهشة).. واستمعت لعشرات الشهود من الذين ارتبطوا بالقضية.. لكن كلما أفتح جحراً يقودني لعشرة جحور بعده.. مسلسل طويل أدهش ما فيه الجرأة الفائقة.. درس ولا أروع عنوانه (فسدان في الميدان). لا أحد – في ملف القضية – يبذل جهداً لسكب بعض الذكاء في مواراة ما يفعله.. (على عينك يا تاجر) تمارس اللعبة في مختلف المستويات.. طالما تتوفر الثقة أنه لا رقيب يراقب.. ولا محاسب يحاسب.. وأن الطريق سالم حتى آخر المطاف لا تجرح الخاطر مخاطر. والنتيجة كانت باهرة.. المشروع الذي بدأ في العام 2004 وخطط له أن يكتمل بعد ست سنوات في العام 2010.. كان يفترض أن يكون في أرض الواقع اليوم شاخصاً في طريق الخرطوم مدني.. منطقة تضج بالحركة والنشاط التجاري وعدد كبير من سكان مدينة الخرطوم قد هاجروا إلى ولاية الجزيرة وصاروا من سكانها، بينما يعملون في ولاية الخرطوم.. بل ربما وفّر لمدينة مدني نفسها مرافق سياحية غائبة عنها تماماً مثل الفنادق الراقية.. لكن \"كتائب القذافي\" التي عاثت في المشروع فساداً واقتاتت منه حتى الثمالة.. أجهزت عليه تماماً ولم تترك حتى ما يكفي من عافية لإكمال المشروع.. فأصبح أطلالاً تطل على المسافرين بين الخرطوم ومدني تحذر وتنذر كل مستثمر تراوده النفس الأمارة بالسوء أن يحلم بمشروع استثماري في السودان.. ورغم أن غالبية وقائع \"فساد لاند\" احتكرت فيها ولاية الجزيرة أدوار البطولة.. إلا أنها صورة طبق الأصل لما يحدث في مشروعات استثمارية أخرى في مختلف ولايات السودان. مستثمرون تراودهم (أحلام) الاستثمار في السودان.. وموظفون في الدولة يحولون الأحلام إلى (كوابيس) مرعبة.. مثل ما حدث في تجربة المستثمر المصري أحمد بهجت في ولاية الجزيرة.. كلمة السر في كل هذا (الفساد!) المتخم بالغباء.. هي (غياب المؤسسات).. وللدقة.. أن تتحول مؤسسات الدولة لمجرد واجهات للابتزاز واستمطار الأموال.. والثراء الحرام بأعتى وأعجل ما تيسر.. وراء كل ختم أو توقيع صفقة.. ووراء كل اجتماع (جولة مفاوضات) للاتفاق حول الغنيمة.. كل ذلك والمواطن المغلوب على أمره لا يقبض إلا الشقاء وبؤس الحال الذي يكابد سعيره وحده. الدور الرقابي في مؤسسات الدولة مفقود مفقود.. بل – وهو الأنكى- حل محله دور رقابي صوري مهمته أن يغطي الفساد ويوفر له أظلم بيئة تمنع استراق النظر إليه. على كل حال.. سنستمر في نشر حلقات مسلسل \"فساد لاند\" المحتشد بالألم المرير.. ويكون محبطاً لحد اليأس.. أن تكتفي أجهزة الحكومة بمتعة قراءة الحلقات.. وتقيّد الجريمة ضد (مجهول).. ليس هناك (مجهول) في هذا المسلسل.. كله معلوم.. وكلهم لا يزالون في الخدمة.. بصراحة كل من يقرأ حلقات هذا المسلسل.. وفي يده القلم.. ولا يحرّك ساكناً.. هو أيضاً فاسد..!! التيار