[email protected] الحركة الاسلامية السودانية ، ماكانت ابدا فى يوما من الايام محل لثقة التاريخ فى كونها منظومة ثورية تنتزع عن جدارة سبق الريادة فى تشكيل الاطار المستقبلى لشكل الحكم فى السودان ، فمنذ ان وطئة اقدامها الساحة السياسية المشرعة ، كانت مثار للجدل الذى يطعن صراحة فى استقلاليتها كحركة اسلامية بمعنى اسلامية ، ذلك لان النسيج التنظيمى الذى كان يغلف بنأها الحركى ، نسيج قائم على الافكار البوليسية التى تقدس الاسرار للدرجة التى تثير شكوك المجتمع حول مصداقية اهدافها كمنظمة دعوية تعمل على تمكين الاسلام ، مما ساهم بصورة كبيرة فى تحوير نظرة المجتمع السودانى الذى اصلا مسبقا اسلامى وصار ينظر نحوها كزراع طويل من ازرع الماسونية التى تتشكل بكل الاطياف الدينية لتغرق اهل الصلاح فى لجة الاجندة الصهيونية ، وما عزز من وضوح مثل هذه الفكرة هو انشطار الحركة الاسلامية وانشقاقها الى حركتين ، واحدها بقيادة الدكتور الترابى واخرى بزعامة الدكتور صادق عبد الله عبد الماجد ، فى اول تباين يثبت حقيقة ضعف الاسلامين وعشقهم القاتل للسلطة ، فبدلا ان يكونوا على قلب رجلا واحد حتى يحققوا ما اعتبروه من الغايات الدينية السامية فى الحكم بما انزل الله ، هاهم ذهب كل فريقا منهم يكيد للاخر جسارة الويل والثبور ، فكان كيدهم فى نحرهم ، مارسخ من قناعة شكوك المجتمع فى ان هناك حفنة من الانتهازين تجمعوا تحت لواء عصابة اتخذت من الدين مطية لتحقيق اهدافها الاجرامية ، فتوجس المجتمع خيفة منهم ؟ وحاول البعض محاربتهم بما اوتى من ادوات التصدى ، وكلما تضافرت الجهود على استئصالهم ، كلما كانوا – اى الاسلاميون – اصحاب بدائل المعية على التخفى من وجه المجتمع والسلطة ، فأدمنوا سياسة العيش تحت الارض ، واتقنوا ادارة النفاق ، واجادوا فنون الالتفاف حول افكار الشباب ، وتظاهروا باخلاق الصحابة ، فسقط فى ايدى السذج من حيارى الناس حتى اعتقد البعض بأن الجنة تحت اقدام الحركة الاسلامية ، وعاشوا على ايقاع ذلك ردحا من الذمان ، الى ان التئم تجمع الاحزاب السودانية فى ندوة جامعة الخرطوم وما اعقبها من احداث مفصلية عظيمة مثلت المنعطف المهم الذى ابرز دور الحركة الاسلامية كتنظيم انتهازى يتسلق على اكتاف التنظيمات الاخرى ويتبنى ادوار البطولة فى الاحداث التاريخية العظيمة ... فتغنى الاسلاميون ببطولات ثورة اكتوبر حتى خالات الاجيال اللاحقة بأن ثورة اكتوبر صناعة اسلامية صرفة ، وان الشهيد القرشى من ضمن الكوادر الاساسية للحركة الاسلامية ، وهو طبعا على النقيض تماما من ذلك ، كان الشهيد القرشى سليل اسرة انصارية توارثت حلاوة الانضواء تحت راية الامام المهدى رضى الله عنه كابرا عن كابر ، وهو صراحة ماكان يهوديا او نصرانيا بل كان حنيفا ولم يكن من المشركين ، وحتى اليوم تعتذ اسرته الكريمة بتقديم فروض الولاء والطاعة لتنظيم الانصار كحركة اسلامية تجديدية تملى فراغ العالم بأدبيات مهدى الله الذى ملاء الارض عدلا بعد ان امتلئت ظلما وجورا ... ان الحركة الاسلامية السودانية وبعد ان ( تغدت وتعشت ) بالاحزاب المشاركة فى ثورة اكتوبر ونصبت من نفسها الرائد الذى لايكذب اهل السودان ، وجدت الطريق ممهد فأنعطفت نحو الحياة السياسية بنهم شديد ، وخططت بخيانة غريبة فى تغذية الاجهزة الامنية والعسكرية بالكوادر المخلصة ، ووجهت اقوى صفعة لكل القوى السياسية السودانية مجتمعة حينما شاركت دون حياء فى حكومة المرحوم جعفر النميرى الذى نصب الدكتور الترابى مستشارا له ، وما كان مفكرا فى قامة الترابى ان يفوت فرصة الثقة المؤقتة دون نصب شراك الفخ حول رقبة الرئيس جعفر النميرى ... وفى نهاية المطاف انتفض الشعب ، فكانت ثورة مارس ابريل ، وحتى هذه الثورة التى كانت فى الاساس تلقائية لم تسلم ايضا من غدر الاسلاميون واعتقدوا فيها بأنها الابن الشرعى لهم ، ولولا المساهمة المقدرة التى قدموها لكانت مايو حتى اليوم تتحكم فى رقاب الخلق ... هذا اعتقادهم ولهم الحق فى ذلك ، لكن المهم فى حقيقة تاريخهم وارشيفنا بأنهم ليس محل الثقة الفعلية للتاريخ ، وحتى الدرجة السياسية التى بلغوا حد الكمال فيها ، لم يصلوا مرتبتها عن جدارة مستحقة ، وهم فى احسن الاحوال سيغدر بعضهم ببعض ، وسيصنعون مقتلة رهيبة تفضى بهم الى جهنم مصغرة ، فالمسألة مسألة وقت ليس الا ، ولاتوجد لديهم البدائل المنطقية الوطنية فى وئد الفتن بدواخلهم ، فالانشقاقات والعداوات ثقافة اصيل تلقى بظلال كثيفة من الشك حول اسلامية الاهداف والغايات التى يتحدثون عنها ، هم الان كثغاء السيل ، ليس من قلة ولكن من فرط حبهم للسلطة تشرذموا ، الى اخوان مسلمون ، ومؤتمر وطنى ، وحركة اسلامية ومنبر السلام العادل والمؤتمر الشعبى وجماعة التكفير والهجرة ، وتنظيم اللجان الثورية ، بالاضافة الى بعض النتوءات التنظيمية الصغيرة التى خرجت من عباءة الاسلاميون فى السودان ،