النفايات الطبية..! منى ابو زيد «بإمكاني حساب حركة الأجرام السماوية، ولكن ليس جنون البشر».. إسحق نيوتن! مؤكد أن هنالك تنميطاً خطيراً قد حدث لذهنك، مع كم التحقيقات والأخبار والحوارات التي تطالعها في الصحف عن مأساة النفايات الطبية في السودان.. فالتناول الإعلامي المستمر لأعظم المصائب المقيمة دونما حلول ماثلة، يجعل عقلك يتصالح مع كونها جزءاً من واقعك..! لا غرو إذاً في أن لا تكترث لأنّ الهواء الطلق الذي يدخل رئتيك يعانق - قبلها - محتويات مزابل المستشفيات (بقايا الدماء والسوائل المتعفنة والأنسجة البشرية المتحللة ومخلفات الإبر والمواد الكيميائية ..إلخ..) تلك الفظاعة المقيمة بين ظهراني أكبر مؤسساتنا العلاجية..! لن يدهشك أن نسبة النفايات الطبية الناقلة للعدوى (من جملة الخمسة والعشرين ألف طن التي تشكل قوام النفايات الطبية اليومية!) هي أكثر من خمسة وعشرين بالمائة.. وأن انتقال العدوى بواسطة النفايات الطبية قد شارف على بلوغ نسبة الخمسين في المائة في بعض المستشفيات..! بينما في معظم دول العالم تجاوزت وزارات الصحة وحكوماتها مشاريع التخلص من تلك النفايات، وهي تناقش - اليوم - إمكانية اللجوء إلى أفضل الطرق وأحدثها في هذا المجال.. في أوروبا يتم ردم ستين بالمائة من النفايات الطبية بطرق علمية آمنة..! وفي إنجلترا يتم التخلص من ثلث النفايات الخطرة منها، بذات الطريقة.. بينما لجأت الكثير من دول العالم إلى طريقة المحارق لضيق مساحات الردم الصحي فيها.. أما الفلبين فضربت مثلاً آخر، باعتبارها أول دولة منعت نهائياً عمليات معالجة النفايات بواسطة المحارق، وسنت قوانين رائدة رادعة، شجّعت الانتقال إلى الطرق المعالجة البديلة..! دَعك من المحارق الخاصة المتحركة التي تفتق عنها ذهن التطور التقني الحديث في معظم بلدان العالم الأول.. ليس أكثر من المساحات الشاسعة، غير المأهولة في هذا السودان -بالقديم وبالجديد! .؟! وعليه فإنّ مشكلات التلوث بسبب استخدام المحارق تبقى أقل خطراً.. وتبقى علميات الحرق العلمي للنفايات الطبية الأقل تكلفةً..! التجربة السعودية في هذا المجال رائدة وهي مُستقاة - بدورها - من التجربة الألمانية.. حيث يتم إلزام كل مؤسسة صحية بتخصيص قسم خاص بفرز النفايات وجمعها في أكياس مُحكمة الإغلاق ونقلها في سيارات مُخَصّصة إلى غرف تخزين مُجهّزة خصيصاً لتجميع النفايات الطيبة.. لماذا لا تستفيد وزارة الصحة السودانية من تجربة نجاح نظيرتها السعودية في هذا المجال..؟! الراي العام